لا أعرف ما هو مصدر هذا التقليد القديم الذى كانت توصينى به أمّى حين كنت أذهب لإحدى جاراتنا فى العماره وهو عدم قبول أى مأكولات أو مشروبات تعرض علىّ كدليل من الأدب الزائد أو التربيه القويمه !! للدقّه أعلم أن وصيّة أمّى لم يكن هذا سببها الفعلى وإنّما كان ردّا على ما تظنّه وصية الجارات لبناتهن و لما يقمن به هنّ إذا جئن يوما لزيارتنا ..
- فلانه مش بتشرب عندنا حتّى كوباية الميّه و من ثمّ لا يفترض أن تقبلى منها أى واجب ضيافه مهما قلّ أو تواضع ..
لا ألوم أمّى بقدر ما ألوم فلانه ولا أفهم هل قبولها أو قبول أبنائها الصغار واجب الضيافه البسيط فيه ما يقلل من شأنهم !! ربّما لأنّى لم أكن أعتبر قبول كوب عصير أو زجاجة مياه غازيه شئ ينبغى أن أخجل منه ومن ثمّ لم أكن أفهم ما سرّ هذا الترفّع ولا أقبل حتى اليوم معناه السخيف بالترفّع عمّا لا يستحق الترفّع عنه ..
تذكّرت هذه الأفكار اليوم خلال زيارة ضيفه عزيزه لنا فى المنزل .. كلّما أتت لمنزلنا ترفض حتى ارتشاف قطرات بسيطه من المشروبات المقدّمه كأنّها توفى نذرا بألاّ تتناول شيئا فى بيتنا رغم الصلات القويّه بيننا !! ما يثير استيائى فى هذا الموقف هو أنّنا حين كنّا فى زيارتهم لم نتحرّج من تناول ما قدّم إلينا بل و حين سئلت : عاوزه شاى؟ قلت بكل غتاته : أيوه عاوزه شاى بس من غير سكّر !!
لا أفهم لماذا تقبل أسره دعوه للزياره و تناول الغداء و حين تأتى لا يتناول أفرادها أى شئ ممّا يقدّم لهم و لو على سبيل المجامله و التقدير لمن أجهدوا أنفسهم فى الإعداد لهذه الدعوه !! من سنوات عديده ذهبت فى زياره لصديقه كانت معرفتى بها لاتزال فى البدايه ومن ثمّ لم تكن تعرف أنّى لا أحب جاتوه أو تورتة الشيكولاته و حين وجدتها قد أعدّتها بالفعل بنفسها تناولت البعض منها و أعتقد أن هذا هو أقل واجب ردّا على كرم الضيافه .. و حين زارتنا أسرة الضيفه فى منزلنا فى رمضان الماضى و بعد إلحاح أمّى و أختى و شقيقى عليهم جميعا بأكل شئ ما خاصة بعد الصيام و بعدما لمست عزوفا غريبا عن الاستجابه للإلحاح لم أنشغل بالمشاركه فيه بأى قدر و انشغلت بتناول طعامى ولم أشارك بعدها فى الدعوه لتناول الحلوى أو شرب الشاى .. إذ أن قناعتى فيما يتعلّق بهذا الشأن أن لا داعى للإلحاح !! نحن لا نطلب من
ضيوفنا شيئا غريبا أو مستهجنا أو يدعو للخجل .. ونحن نجلس قبلهم لتناول الطعام و ندعوهم إليه بحراره و إخلاص و نتناول فى منازلهم ما يقدّم لنا دون دفعهم لأى إلحاح علينا لأن فى إلحاحهم علينا شئ من إحراجهم و تكليفهم فوق الطاقه .. كما أن الإلحاح على الضيف بتناول شئ ما طول الوقت يحمل رساله بأنّه تحت المراقبه و أنّنا قد "لاحظنا" أن طعامه كما هو لم يمسّ ..
نفس الموقف يحدث مع أقاربنا المقيمين بالصعيد .. يدعوننا بحراره لمنازلهم و يستفيضون فى إكرامنا طول مدّة الزياره لكنّهم لا يكلّفون نفسهم عناء الاستجابه بنفس الأريحيه للدعوه المقابله .. موقف أراه -بكل صراحه- معبّرا عن قدر معتبر من قلّة الذوق و عدم الاكتراث .. قابلته كذلك مع بعض زميلات العمل حين كنّا زمان نذهب لتناول الغداء فى منزل إحداهنّ و بعدها ترفض رفضا باتّا التعامل بنفس البساطه مع دعوه مقابله ..
ربّما كانت نصيحة أمّى فيما مضى نصيحه صحيحه لكن أسبابها هى التى لم تكن صحيحه .. إذ ليس لدىّ ما أخجل منه من قبول دعوة الأقارب أو الجيران لتناول واجب الضيافه .. لكنّى يجب أن أرفضها حين ألمس عدم وجود نيّه لتعامل الطرف الآخر مع الموقف بنفس البساطه لا أن أرفض لأن هذا دليل على امتلاء عينى أو حسن تربيتى فقد تجاوزت هذه المرحله بزمن سحيق !! فالناس لا تتبادل واجبات الضيافه كسرا للأعين أو كسبا للنقاط و إنّما محاولة للوصول لمزيد من الحميميه و الترابط مع بعض والمفروض نتعامل مع هذه الأمور البسيطه ببساطه أكبر من هذا التعقيد الذى تمتلئ به حياتنا