من سنوات طويله تستعصى على الحصر توقّفت عن قراءة الملحق الأسبوعى لجريدة "الأهرام" .. باستثناءات نادره مثل نشر قصّه لاسم معروف لكاتب أتابعه .. لكن ماعدا ذلك كان -غالبا- خارج دائرة اهتماماتى كما صارت الجريده كلّها بعد هذا بعدّة سنوات
لسوء الحظ وجدت نفسى أمس فى حاله شبه اضطراريه لقراءة الملحق .. نزلة برد غير متوقّعه و انعدام قدره على الحركه تقريبا مع التواجد وحيده فى المنزل لعدّة ساعات و الجريده أمامى صامته مستكينه .. و بعد الانتهاء من قراءة ملحق السيارات لفتت نظرى القصّه المدرجه فى هذه التدوينه و التى نُشِرت فى العدد الورقى تحت عنوان "زوجه لمحاربة السوس" كما أذكر ولست أدرى سببا لتغيّر اسمها فى الموقع الالكترونى .. رُبّما لا يكون من الصائب أن أقول رأيى فى القصّه قبل أن يتسنّى لكم قراءتها .. لكنّى فعلا كنت أشعر بقدر كبير من الذهول -ناهيكم عن الضجر و الملل- خلال قراءة القصّه التى لا أعرف حتى الآن الحيّز الزمنى الذى يُفتَرض أن تدور به أحداثها فقد بقى هذا لغزا استعصى على تفكيرى حتى الآن .. كما لا أستطيع أن أحدد حتى هذه اللحظه هل كان يفترض أن أتعامل مع القصّه باعتبارها شيئا فكاهيا !! لكنّها لو كانت فكاهيه فمكانها معروف و هو إحدى الصفحات الداخليه بالملحق حيث تنشر الجريده ما تعتقد و يعتقد أصحابه أنّها أشياء مضحكه !!
الموضوع -واللهِ العظيم- ليس موضوع رجل و امرأه و نسويات و ذكوريات إلى آخر هذا العبث !! لكن أن يكتب أحدهم قصّه عن إقدام شخص على الزواج بشكل أساسى لاحتياجه لمن ينثر النفتالين على ثيابه قبل السفر لأن عقله -الذى لم نعرف على وجه التحديد أى شئ يقطن فيه- يسهو عن هذا الأمر شئ يستعصى على الوصف و يزيد من حدّة الصداع الذى أشعر به خلال كتابة هذه السطور .. و أن يتمادى فى الأمر و يعتبر تفانى زوجته فى نثر النفتالين لدرجة إصابتهما بالتسمّم أمرا تستحق وحدها اللوم عليه لحد تطليقها شئ يستعصى على الوصف أكثر من سابقه و رُبّما يعطيكم سببا من الأسباب التى دفعتنى لتصوّر الأمر محاوله -فاشله أكيد- لكتابة قصه عبثيه أو كوميديه .. كما أنّه ممّا يستعصى على التصوّر تصدّر مثل هذه الرثاثه -لست واثقه من أن هناك كلمه بهذا الشكل- للصفحه الأولى لملحق العدد الأسبوعى لجريدة "الأهرام" !!
تصوّروا أنّى سألت والدتى اليوم عن موضوع السوس و العِتّه و أثرها المُحتَمل على الملابس علّى أجد مخرجا من الحيره و الغيظ التى تسببت لى فيهما تلك القصّه !! و حين شرحت لها الأمر اعتبرت ما كُتِب فى القصّه من قبيل المبالغه الشديده التى ليس لها ما يناظرها على أرض الواقع و أن ما يصفه الكاتب قد لا يحدث إلاّ فى ظروف شديده من القذاره و إهمال النظافه تلك التى تستدعى ظهور السوس و العتّه فى المكان !! و كى أكون صادقه معكم بشكل كامل لم أكن أنوى أصلا الكتابه عن هذه القصّه و كنت قد أسقطتها بالفعل من ذاكرتى بعد الانتهاء من قراءتها .. لكنّى كنت شاهده على موقف عائلى يحاول فيه البعض التنصّل من مسئوليتهم حتى عن اختيار أصناف الأكل التى يأكلونها و يصرّون أن "بابا" و "ماما" سيظلّون للأبد مسئولين عن حالة السمنه التى وصل لها المتحدّثون حتى لو كانوا بلغوا مبلغ الشباب و بقى كل واحد فيهم شحط بسم الله ما شاء الله و صاحب وظيفه و يخطّط للزواج !! وجدتنى خلال الاستماع لنوبة اللوم و العتاب المكرّره أتذكّر هذه القصه الخيبانه التى ظلّ بطلها يبحث عمّن يتحمّل مسئولياته حتى آخر كلمه فيها !! ولا أنكر أنّى شعرت بقدر كبير من القلق من أن تسير حياة أقاربى بشكل مماثل للشكل الذى وصف صاحب القصّه به حاله مع إيمانه التام بعدالة موقف و بأنّه إنّما يكتب مادحا السوس و منتقدا البشر !!
في هجاء البشر ومديح السوس
بقلم: أحمد إبراهيم الفقيه
لم يكن من عادتي أن اضع شيئا من اقراص النفتالين بين ملابسي المعلقة في دواليب البيت او القابعة في الحقائب, سواء اثناء اقامتي في البيت او أنا غائب عنه, لكي تحمي هذه الاقراص ملابسي من السوس وحشرات العتة التي تقرض الملابس, وأهمل وضع هذه الاقراص حتي وانا اسافر مددا طويلة مثل رحلاتي الي المصايف التي اغيب خلالها عن البيت اشهر الصيف الثلاثة, حيث يبقي المجال مفتوحا امام هذه الحشرات الدقيقة الخبيثة ان تقوم بمهمتها في افساد الملابس دون ان يعيقها عائق بل اجدها احيانا لحقت بعضا من الاثاث كالمراتب والصالونات فقرضتها, ورغم قناعتي بان وضع دواء السوس في مثل هذه الحالة يبقي ضرورة لحفظ الملابس والاثاث من التلف, وعزمي علي شراء الدواء ووضعه قبل السفر بين الملابس وفوق الاسرة والشراشف والوسائد, إلا انني دائما لا افعل, ويحدث ما يحدث للانسان عادة من المشاغل التي تتجمع لديه وتشغل ذهنه لحظة السفر, فيسهو عقلي عن القيام بهذه المهمة, واسافر دون ان افعل, ولم يكن غريبا بعد ذلك ان اعود, وابحث عن قميص, او بدلة اريد ارتداءها فاجد ان الحشرات قد اكلت جانبا من هذا القميص او هذه البدلة بحيث صار يتعذر استخدامها وارمي بها في سلال القمامة او اعطيها لبواب العمارة او سائس الجراج لعله يجد وسيلة لاصلاحها واستخدامها كما اجد تلفا في الشراشف والوسائد والبطاطين, وكنت احمل غضبي من نفسي ومن اهمالي فأذهب الي المقهي افضفض بشأنه مع الاصدقاء فلا اجد الا اعادة وتكرارا منهم لتلك الفكرة التي تطالبني بالزواج, فقد تأخرت عن اللحاق بركب المتزوجين, الي الحد الذي صار فيه البعض يتندرون بعزوبيتي, وغرابة ان ابقي في هذه المرحلة التي يحسبها المجتمع مجرد مرحلة بين مرحلتين, وقنطرة بين ضفتين, ضفة الاسرة التي يولد فيها الانسان ويقضي سنوات طفولته وصباه وربما شبابه الاول في بيتها محاطا بام واب واخوة, ثم تأتي فترة قصيرة يغادر فيها بيت الاسرة الكبيرة, ويبقي عازبا يسعي لتكوين نفسه وتهيئتها لمرحلة الاسرة الثانية وهي الاسرة التي يقوم بتكوينها من زوجة واطفال يكون هو ربها ومؤسسها, او هكذا يري الناس منطق الاشياء, وطبيعة الحياة, وروتينها الذي يلتزم به رجال المجتمع في بلادنا خاصة وفي أغلب بلاد العالم الاخري, ويرون انني قد تجاوزت الحد الذي يجعل حياتي عازبا انحرافا عن النهج الصحيح, ويضعون اتلاف الملابس الذي جاء نتيجة اهمالي لوضع حبات النفتالين جزءا من حياة الفوضي التي اعيشها والتي لن يستقيم حالها الا بزوجة ترعي البيت وتقوم بواجب حفظه اثاثا وملابس ومقتنيات وصيانة ما فيه ورسم اسلوب للحياة بداخله تراعي واجبات الصحة والنظافة وتضمن الاستقرار والراحة.
واقرارا للحقيقة فانني لم اتأخر في الزواج بسبب موقف فلسفي من الحياة, كذلك الشاعر الذي قال هذا جناه ابي علي, وما جنيت علي احد كما انه ليس موقفا فلسفيا من مؤسسة الزواج علي غرار المفكرين الذين اعلنوا حربهم علي هذه المؤسسة ورفضوا الانضمام اليها بالامتناع عن الزواج مدي الحياة, وليس لمجرد طلب الحرية في ممارسة العلاقات الغرامية التي ستحد منها الحياة الزوجية التي لا تستقيم إلا بعلاقة دائمة مع امرأة واحدة, كما يفعل الكثيرون في بلاد التحرر الاجتماعي, لان مثل هذه العلاقات الحرة التي تتيحها العزوبية ليست موجودة في مجتمع محافظ متزمت يضع العوازل ويبني السدود والجدران للتفريق بين النساء والرجال مثل مجتمع طرابلس الغرب, بل ربما يكون هذا الانغلاق هو سبب هذا التأخير في الزواج لانه لا يتيح الاسس السليمة للزواج لانسان يريد الارتباط بشريكة الحياة علي مثل هذه الاسس السليمة التي تقوم علي التعارف والاختيار, لامجرد الزواج بطريقة عشوائية قد لا يجد فيها العروسان فرصة ان يري احدهما الآخر قبل الزواج. المهم انه استجابة لهذا الالحاح تزوجت, وبطريقة افضل قليلا من الطريقة العمياني التي لايري فيها الزوج زوجته, واقل قليلا مما كنت اريده لانه لم يكن يوجد فيها تعارف وتواصل واختيار, كل ماحدث ان الاسرة اتاحت لي اثناء ذهابنا للخطوبة ان التقي بالفتاة وسط الجو العائلي الذي تتيحه تلك المناسبة, ولم يصدر بعد اللقاء اعتراض مني او منها علي المضي في موضوع الخطوبة التي أعقبها الزفاف دون تأخير, وصار من حقي ان اطمئن الي ان حبات النفتالين, ستمارس دورها في حفظ الملابس, خاصة في اوقات الاجازات حيث تبقي الملابس في ادراج مغلقة لا تفتح لعدة اشهر ووسط بيت لم يعد يدخله الهواء ولم تعد تدخله الشمس, لان كل النوافد يتم اغلاقها بابواب الخشب والحديد وكذلك ابواب الدخول والخروج التي يتم صيانتها ودعمها بابواب من حديد علاوة علي أبوابها الخشبية, حيث يبقي البيت مغلقا علي ظلامه ورطوبته التي تساعد في انتشار السوس واختراقه لملابس اهل البيت, والحقيقة فان الزوجة, وتحت قوة الالحاح من طرفي وادراكها ان هاجس الخوف من السوس كان واحدا من العوامل التي عجلت بزواجنا, قامت بواجبها كاملا, منذ اول اجازة قضيناها معا وهي اجازة شهر العسل, التي لم تستغرق بسبب ظروف خاصة بالعمل غير اسبوع واحد, واستطاعت قبل اغلاق البيت وتركه للمضي في الاجازة القصيرة, ان تملأ كل صندوق وكل درج وكل دولاب يحتوي علي شيء من الملابس وان تضع فيه كمية من حبات النفتالين تقضي علي قبيلة كاملة من السوس, بل هي لم تكتف بهذه الحبات وانما اشترت مادة سائلة للرش واخري في شكل دقيق, لرشها ونشرها لا داخل دواليب الملابس فقط وانما ايضا فوق كراسي الصالون والاسرة وقطع الاثاث التي يمكن ان يطالها السوس او العتة, ووجدت اثناء الاقامة الفندقية في المدينة الساحلية حيث احواض البيسين وبلاجات السباحة والالعاب المائية, وما تستطيع الزوجة توفيره لزوجها من وسائل الراحة والترفيه, ولمست الفرق الشاسع بين وجودي معها حيث اجد كل شيء جاهزا في انتظاري سواء من حيث الاكل او ما اريده من ادوات لتماريني الرياضية او ما احتاجه من دواء, او ما تستوجبه مثل هذه الاقامة من برامج ترفيه, او ما يتطلبه المكان من تنظيف وعناية ورعاية, لدرجة كنت اشكر معها السوس الذي كان دافعي للزواج وحبات النفتالين التي ارغمتني علي جلب شريكة لحياتي تشتريها لي وتستخدمها في حفظ ملابسي من آفة السوس.
سار كل شيء كما كان مخططا له, والاصدقاء الذين نصحوا بزواجي, واستخدموا السوس كذريعة للتحريض علي هذا الزواج, صار من حقهم ان يفخروا بصدق ما قالوه وما اثبتته الايام من اخلاصهم في نصحهم حيث قامت الزوجة خير قيام بواجبها في دفع السوس عن دواليب وصناديق البيت التي تحتوي ملابس الاسرة, باستخدام المادة التي تفتك به وتقضي عليه, قبل ان يلمس طرفا من هذه الملابس, وكانت النتيجة مبهرة عندما عدنا من الاجازة ووجدنا كل شيء كما تركناه بل بدا جديدا بسبب ما تركه الرش عليه من لمعان, كل الاثاث وجدناه سليما لم ينل السوس والعتة منه شيئا وكذلك الملابس, ولكن المأساة حدثت بعد ذلك, فقد هجعنا الي سرير الزوجية واسلمنا نفسنا لنوم جميل بعد ما استمتعنا به من سباحة ورياضات انهكت اجسادنا ونالت من قوانا وحمدا لله ان الهاتف كان قريبا من رأسي, لان رنينه المستمر هو الذي اخرجني في ضحي اليوم التالي من حالة الغيبوبة التي دخلت فيها, ولكني خرجت منهكا متعبا, لانني صحوت وانا لا اجد هواء اتنفسه ولا اجد قوة احرك بها ذراعي لارفع بها سماعة الهاتف, او احرك بها لساني لارد علي حديث صاحب المهاتفة, قلت ما استطعت ان اقوله باقصي حد من الاختصار والايجاز للصوت الذي عرفت فيه صوت اخي, وهو ان يأتي لانقاذي لان الآلام المرعبة التي احس بها في معدتي وحالة الغثيان والدوار التي احس بها في رأسي وما يعتريني من انهاك توحي بان الموت قد بدأ فعلا يدب في سائر جسمي, وتحاملت علي نفسي واتجهت زاحفا الي باب الشقة لانني لم اكن اقوي علي المشي, لكي افتحه لاخي الذي لم يكن يملك مفتاحا, وكنت قبل ذلك قد تفقدت حالة الزوجة, لكي استعين بها علي فعل ذلك, فوجدتها اشبه بجثة هامدة لا تقوي علي الاستيقاظ, كل ما يفرق بينها وبين الجثة ان هناك انفاسا تخرج لاهثة من فمها. وسريعا جاء الاخ وجاءت سيارة الاسعاف وافراد طاقمها ومعهم محفتان نقلانا فوقهما الي السيارة ثم الي قسم الطواريء في المستشفي الاستثماري الذي لا يبعد كثيرا علي البيت رغبة في سرعة الاسعاف, واقتضي هذا الاسعاف وعملية اخراجنا من حالة التسمم, والعودة الي الحالة الطبيعية اسبوعا في المستشفي, لان ما حدث هو ان الكميات الهائلة من ادوية حشرات السوس والعتة التي استخدمتها السيدة الزوجة, كانت كثيرة وذات فعالية عالية, لا تستخدم عادة الا في المخازن الكبيرة للاثاث والملابس, فكان ان بقي تأثيرها مستمرا وبعضها كان مبيدات حشرية ذات غازات يستمر مفعولها لمدد طويلة نتج عنها هذا التسمم الذي كان سيؤدي حتما الي موتنا لولا صدفة الهاتف برنينه العالي الذي استطاع بالحاحه وقوة رنينه اخراجي من حالة الغيبوبة او الاغماء التي اصابتني بها ابخرة وغازات المبيدات الحشرية.
ورغم ما رأيته من مباهج الحياة الزوجية فقد افزعتني حالة التسمم التي اصبنا بها, من هذه الحياة وملأت قلبي نفورا منها, وباقصي درجة من الادب وعبارات المجاملة افهمت زوجتي انني لن استطيع الاستمرار معها في هذا الزواج, واعتذرت لها علي خطأي في الزواج بها الذي لم يكن الا خضوعا لضغوط الاقارب والاصدقاء, الذين استخدموا السوس وحبات النفتالين في اقناعي بهذا النوع من الحياة الذي كنت اعرف من البداية انني لست مخلوقا له, ولست مهيئا نفسيا وعقليا للانسجام معه, وهذا ما جاءت المبيدات الحشرية الكثيرة والكميات الهائلة من حبات النفتالين التي وضعتها بين الملابس والوسائد والشراشف, تنبهني اليه, ولذلك فاننا كما التقينا وتزوجنا بمعروف, سنفترق بمعروف ولها ان تأخذ كامل حقوقها بمؤخر الصداق الذي سيأكل ما تبقي من مدخراتي التي انفقتها علي الاقامة في المستشفي الاستثماري. انتهت حياتي الزوجية التي لم تدم غير بضعة اسابيع, موقنا انني لن اعود اليها, متآلفا مع السوس والعتة مهما تسببت في اتلافه من بدل وقمصان واثاث.
http://friday.ahram.org.eg/Index.asp?CurFN=stor1.htm&DID=10179