Wednesday, December 03, 2008

تسبيب ما لا سبب له !!





كنت أتابع منذ دقائق فقره من برنامج "تسعين دقيقه" تناقش قضية مقتل "هبه العقاد" و "نادين خالد" التى شغلت الرأى العام المصرى خلال الأسبوع الماضى ..

استضاف البرنامج ضيفه شيك ترتدى نظّاره طبيّه للحديث معها حول تحليلها للحادث و أسبابه

و انبرت سيادتها متحدّثه عن أن من ضمن الأسباب إقامة "نادين" فى شقّه بمفردها بسبب سفر أبويها للعمل بالخليج و أن هذا الوضع فى غاية القسوه !! و أنا رغم اتّفاقى معها على قسوة الوضع لم أستوعب العلاقه السببيه بينه و بين وقوع الحادث الذى أصفه شخصيا بأنّه حادث عبثى !!

فكما تعى سيادتها فقد وقع من سنوات قليله حادث غامض راح ضحيّته أسرتان فى "بنى مزار" !! أسرتان بالكامل تم تشريحهم و نزع بعض أعضائهم و هم فى منازلهم وفى أسرّتهم !! الأسرتان إذن لم تكونا فى "حى راقى كل واحد مشغول فيه بنفسه و يعانى من لا مبالاته بالجيران و ما يصدر من شققهم من أصوات" .. كما أنّها لم تقع "لفتاه وحيده تقيم بمفردها كى يكون هذا الوضع الاجتماعى سببا لوقوع الحادث الذى يمكن أن يقع لشاب يقيم بمفرده أو حتى أكثر من فرد أيّا كان نوعهم بيولوجيا و السوابق المماثله أكثر من أن تحصى" !!



لكن فيما يبدو أنّنا صرنا مغرمين بتسبيب ما قد يكون لا سبب حقيقى له !! أو بما تكمن أسبابه فى مناطق لا نستطيع فى الحقيقه الاقتراب منها و من ثمّ يكون الأسهل البحث عن أسباب أخرى نعلّق عليها حيرتنا و دهشتنا من وقوع حادث كهذا تقود الصدفه الأحداث فيه !! فهناك شابه لم تعتاد المبيت خارج منزلها اختارت هذه الليله تحديدا للمبيت لدى صديقه لها ممّا ضاعف عدد الضحايا و أضاف مزيدا من الدماء على المشهد الدرامى .. و هناك شاب آخر يبحث عن أى هدف للسرقه و يلف و يدور كثيرا فى محافظة "السادس من أكتوبر" ثمّ يقرّر التحوّل عنها لحىّ "الشيخ زايد" و يأتى مجلسه أمام أحد الأحياء التى كان قد عمل بها من سنوات .. و بعد وقوع الاختيار على هذا الحى الراقى يكون اختيار المنزل عشوائيا ربّما لقربه من بوّابة الحى إذ وصف المنزل الذى وقعت فيه الجريمه بأنّه يبعد عن بوّابة الحىّ بمسافة مئتىّ متر فقط !! و يتحوّل حادث سرقه كان التخطيط له شديد العشوائيه إلى جريمة قتل تنتهى بجثّتين و مئتى جنيه و جهاز محمول .. أحداث لو وضعت فى فيلم سينمائى ربّما وصفه البعض بأنّه فيلم هندى أو أن كثير من أحداثه غير مبرّر دراميا و يكاد يكون ميلودراما فاقعه !!



لكن فيما يبدو أن وسائل الإعلام لابد أن تجد سببا و تبريرا و تحليلا لكل شئ .. و من ورائها جيش من المحللين و المنظّرين بانتظار الفرصه التى سنحت من قبل لغيرهم للظهور على شاشات الفضائيات للحديث و إلقاء اللوم على طرف ما حتى لو نافت تحليلاتهم أبسط قواعد الاستدلال .. فالأسهل هو الحديث عن الأسره التى تركت ابنتها تقيم بمفردها و ليس الحديث عن الحدّاد الذى توقّف عن العمل لسنوات -كما ذكرت إحدى الصحف- و مدى ارتباط هذا بأزمة البطاله عموما و بأزمة العاملين فى مجال البناء و التشييد و الصناعات المرتبطه بهم .. الأسهل إلقاء اللوم على شركات الأمن الخاصّه التى تتقاضى مبالغ طائله من سكّان الأحياء الراقيه دون الحديث عن انعدام الأمن بشكل عام فى الأحياء الغير راقيه التى يدفع سكّانها راتب رجال الأمن فيها فى صورة ضرائب !! الأسهل الحديث عن الجيران فى الأحياء الراقيه و مدى اللا مبالاه التى تجعلهم يتجاهلون صراخ الضحايا -رغم عدم ذكر أى من الجيران سماع صراخ و إنّما مشادات كلاميه قد تحدث فى أى بيت- بينما لا يمكن الحديث عمّا تمثّله كلّ هذه الأحياء و الدعاية لها و لأسلوب العيش فيها من ضغط على مشاعر و أعصاب عدد متزايد من المحرومين من أبسط حقوق السكن و المعيشه الآدميه قد تدفع البعض منهم لارتكاب جرائم شديدة البشاعه كهذه الجريمه دون الشعور بندم على سقوط ضحايا !!



الحقيقه أن الحادث المؤلم بالفعل يتحمل كثيرا من التنظير و التحليل و الحديث و الرغى و الدش لكن ليس فى المناطق التى اختارت وسائل الإعلام الخوض فيها .. إذ لا أرى علاقة كبيره بين الحادث و بين سلوك طلاّب الجامعات الخاصّه فطلاّب الجامعات الحكوميه ليسوا كلّهم من الملائكه !! ولم أرتاح للتناول الطبقى للحادث و المقارنه بين أولاد الأحياء الشعبيه المجدع الذين كان لا يمكن أن يقع حادث كهذا وسطهم بينما جمود العلاقات بين سكّان الأحياء الراقيه كان سببا فى وقوع الحادث إذ أن سقوط قتيل فى الشارع فى منطقه شعبيه على مرأى و مسمع من أهلها بات خبرا مملاّ لا يستحق القراءه فى صفحات الحوادث .. و بشكل عام لم أفهم لماذا نصرّ فى بعض الأحيان على تسبيب ما لا سبب له -لو اخترنا الطريقه الشعبيه فى الحكم على الأمور حيث نقول للجماهير ما تحب أن تسمعه بصرف النظر عن اتّساقه مع منطق الأشياء- ولا نستسلم ولو من باب التغيير أن هناك أمور قدريه بالكامل لا تترك للأسف مجالا لأصحاب التحاليل و النظريات فرصه للتمطّع و
تصديع رؤوسنا ..

16 comments:

AHMED SAMIR said...

الحادثة دي اعتقد لسة فيها حقائق لم تكتشف بعد
برجاء متابعة الموضوع الخاص بالحادثة دي في مدونتي مع ملاحظة انه تم كتابته قبل الاعلان عن اكتشاف الجاني
http://theegyptiansilentmajority.blogspot.com/2008/12/blog-post.html#comments
تحياتي

mohra said...

كلامك جميل و منطقى و دايما بيعجبنى
فعلا تناول الاعلام لكل الحوادث اللى بتحصل فى مصر مستفز جدا
اعلام بيشجع الناس انها تكون الحكم و الجلاد على الاخريين فى مواضيه ليس لهم الحق فى ان يتناولوها اساسا
لا يحضرنى الا لفظه judgmental
و لا اجد ترجمه مناسبه
تحياتى

مش فاهمه said...

الموضوع فيه ان - شده على النون- الغريب ان كل البرامج الحواريه انبرت تستضيف لواءات و ضباط يبرروا الجريمخ و ليه الولد عمل و سوى و كأن على رأسهم بطحه ........انا شخصيا ماكنتش شايفه البطحه الا لما هو كل شويه يحسسوا عليها بطريقه اثارت الشكوك داخلى .............واضح ان فيه تستر علىحاجه و مش بعيد الواد يشنق نفسه فى السجن ولا حاجه .......المهم الواد حظه وحش جدا لو كان اصغر سنه كان زمانه فلت من الجريمه لأن قانون الطفل الجديد بيقول ان اللى عنده 18 سنه يبقى لسه طفل و يتعامل كحدث ....معلهش المرة الجايه بقه و عليهم خير

السنونو said...

جايز للموضوع إنة فعلا وجايز تكون دى الحقيقة لكن عموما اتعودنا نترك الحقيقة ونضع أخطاءنا على ناس متقدرش تتكلم
البنت ماتت وأهلها ربنا أعلم بيهم ونشتغل فى الكلام عن الطبقية اللى بترضى الناس
لكن نقول بطالة وانحدار أخلاقى له أسباب عديدة هيكون بقى موضوع ممل ودمه تقيل على الناس

Anonymous said...

زمان الوصل

لم نعد فى زمان الوصل .. المشهد العام لاينتمى لأى شكل منطقى .. فالاعلام لاينتمى لاعلام متبصر يشكل وعى ووجدان الناس

ومسألة التناول العلمى والتحليل تفتقر لأبسط قواعد الاستدلال لأنه فى الواقع ليست هناك غاية محددة نريد الوصول اليها حتى نختار نموذج الاستدلال المناسب

وليست المشكلة هى فى العشوائيات اللى مزعلاهم والتى طالت كل شئ حتى العقول والافكار بحيث اصبح كل شئ ساذجا وعبيطا بلا حمرة خجل حتى

المشكلة الحقيقية انهم لايريدون ان يبداؤا خطوة واحدة فى الطريق الصحيح .. ومبسوطين كده لاادرى لماذا

أنا أؤمن تماما بأن كل واحد وكل دولة تستطيع ان تنطلق الى التقدم من أى سلمة واقفة عليها والتاريخ ملئ بالنماذج المختلفة

بس ماحدش عايز يبتدى .. مصر باختصار مصابة للأسف بحالة صد نفس عام

تجدينى لم أضف شيئا .. فبعد كلامك ليس هناك مايضاف

Anonymous said...

لأننا كنا قررنا نعملها فضيحة على طريقة سوزان تميم و هشام طلعت مصطفى
لما الموضوع اتضح إنه جريمة سرقة تقريبا الإعلام كان قرر خلاص الطريقة اللي سيتناول بها الموضوع
فحتى لو اتضح في النهاية إن الموضوع مش من النوع ده من الفضايح
مازلنا بنتكلم كأنها كدة
يعني شباب الجامعات الخاصة .. الأهل اللي سايبين بناتهم .. إالخ إلخ

عدى النهار said...

غريبة أن أبويها سافرا للعمل بالخليج ولم يدير أحد بعد الإسطوانة المشروخة إياها! الحادثة مادة شهية للإعلام وأسلوب التناول ليس بجديد. هل تتوقعي أن يستضيفوا من يحلل الحادثة كما يجب فيدين سياسة الدولة تجاه كل ما يخص حياة الناس! شىء مخيف أن تتغير صفة شخص ما للنقيض بهذه السرعة.. من برىء لقاتل ومن حيّ لمقتول وغيره كثير

Anonymous said...

العيب عالمذيعة الهفأ

قلم جاف said...

لدي أسئلة أخرى:

1-هل هناك من لا يزال يبرر الجريمة؟

2-هل هناك من لا يزال يراها بشعة بغض النظر عمن ارتكبت في حقهم؟

3-هل هناك رغبة في تقديم الفاعل للعقاب بما أن الجريمة ليست قضاءً وقدر؟

أجوبتي هي:

لدينا من يبرر الجريمة ، ومن يرى أن الضحايا يستاهلوا ، ومن يريد أن يحول أي متهم إلى "أيمن نور"..

وطبعاً ستبدأ الحملة القومية من أجل تبرئة المتهم -المعترف- بل وتبرئة أي متهم آخر ، والسير في اتجاه "قدرنة" الحادث ، كما يتم "قدرنة" أنواع أخرى من الجرائم في مصر.. وسيصطف المناضلون والناشطون ومعهم الصحف "القومية" وراء أي متهم دفاعاً عنه .. ما الناس تستاهل .. وسيتكرر فيلم "عايدة" من جديد .. للي فاكره.. "الفاعل بطل يا جماعة" ، و"هو ضحية سياسة الحكومة الفاشلة " ، وسمعني سلام : "كلنا مجرمييين.. كلنا ضحااااايا"..

بالمناسبة .. فيه من حزب "يستاهلوا" عدد لا بأس به من الصحفيين و"أم ناضلين" والناشطين "الربراريين" المهاجمين لـ"تخلف المجتمع" و "ظلمه الاجتماعي" و الذين سمعنا أصواتهم في قضايا الاغتصاب والتحرش صارخين بعبارات ترفض تبرير الجريمتين.. بينما يبررون قولاً وفعلاً جريمة ثالثة..

أما حكاية التفسير الـ (و**) للحوادث ، فتلك قصة قديمة بطلتها الصحافة القومية .. التي تلعب على وتر "ما" لدى الشارع يشبه ما لعب عليه صناع إعلان "مشروب المرجلة"..

حقيقي حاجة تقرف..

بنت القمر said...

http://dostor.org/ar/index.php?option=com_content&task=view&id=9630&Itemid=29
------------
كل سنه وانتي طيبه
وعيد سعيد

speaking said...

صرنا مغرمين بتسبيب ما قد يكون لا سبب حقيقى له
؟؟؟
هناك سبب حقيقي
واضح وصريح
ولا يحتاج إلي تنظير ولا شرح ولا تحليل
ولا وجع دماغ
الفجوه تتسع بين الفقراء والأغنياء
والفقير الجاهل اليوم هو قنبله موقوته علي شفا الانفجار

تحياتي

زمان الوصل said...

هممممم .. عدنا :)

=======
A.SAMIR
=======

أهلا و سهلا و شكرا على الزياره التى عرّفتنى مدوّنتك الجميله :) أنا ردّيت هناك رد مطوّل فيه نقاط نسيت أقولها فى تدوينتى


====
مهره
====

شكرا على الإطراء :) لسّه من شويّه فى جريدة "البديل" قاريه مقال يحرق الدم عن نفس الموضوع و كاتبه عمّال يتكلّم عن الأثرياء و أصحاب النفوذ و أولادهم !! و كأن هذا الرجل المكلوم فى ابنته لو كان من أصحاب النفوذ حقّا كان جرؤ حد على نهش سمعته بهذا الشكل !! المشكله إن البعض عاوز يعمل بطل على قفا من لا ذنب لهم

زمان الوصل said...

=======
مش فاهمه
=======

أنا شخصيا مش مقتنعه بنظرية المؤامره فى هذه القضيه .. بالعكس دى محسسانى إن ردود فعلنا كمجتمع محيّره .. لو تأخّر الكشف عن الجانى انزعجنا و قلنا فين دور الأمن و لو اكتشفوه يبقى مدفوع له !! المهم أن شخصية الجانى لم تكن بالنسبة لى هى الشئ المستفز هى نقطه واحده ضمن نقاط عديده فى طريقة تعامل الإعلام و المجتمع مع الموضوع


=======
السنونو
=======

أهلا و سهلا خطوه عزيزه :) تمام .. الحديث فيما يرضى الناس أسهل و الأهم أنّه أكثر أمانا من الخوض فى المناطق الخطره الأخرى

زمان الوصل said...

====
شريف
====

فعلا نحن فى زمن التردّى :( كل حاجه تقريبا يشوبها الاستسهال و عدم الاتقان لدرجه مفزعه مش بتخلّى عندنا أى منتج نهائى محترم خاصة فى مجالات التثقيف كالإعلام أو الترفيه كالسينما أو التليفزيون
عارف كل ما باتفرّج على فيلم أو مسلسل و أشعر أنّه إمّا مقتبس أو مبنى على فكره مستهلكه باسأل نفسى هو إحنا فعلا خلاص مابقاش عندنا أى قدره على الإبداع أو الابتكار و بقينا عجزه لهذا الحد عن تقديم أى جديد !!


==
علا
==

صح فعلا هى لازم تبقى فضيحه و موضوع فيه ستّات و رجاله و خمور و حشيش و سوء سلوك و سمعه .. دى التحابيش اللىّ بتخلّى الجريده توزّع و الناس تتكلّم .. حاجه كده شبه أفلام المقاولات بتاعة فترة الثمانينات

زمان الوصل said...

==========
عدّى النهار
==========

آه صحيح تصدّق :) بس يمكن عشان الحادث المفجع محدّش جت له الجرأه و حسّوا إن الموضوع مش مستحمل فقرروا تحميل الضحيّه اللوم بس بطريقه مختلفه


===========
An Egyptian
===========

هو كان مذيع مش مذيعه :) الأخ "معتز الدمرداش" هو اللىّ كان بيناقش و الحقيقه هو تجادل مع المحلله اللىّ مستضيفها البرنامج حول هشاشة منطقها بس هى قفّلت على الحوار بطريقة سيبونى أدلى بدلوى و بعدين ابقوا فنّدوا براحتكم !!

زمان الوصل said...

=======
قلم جاف
=======

هى حصّلت تحويل المتّهم ل "أيمن نور" !! لييييييييييه إيه العلاقه أصلا !! و بعدين إيه الغريب أن يكون هناك قاتل من أجل السرقه !! هى دى حاجه جديده بالنسبة لمجتمعنا عشان تحتاج جعلصه مالهاش لزوم !! يا ريت تقرا عدد اليوم من "البديل" فى صفحة الثقافه واحد اسمه "خالد جويلى" كاتب موضوع يحرق الدم عن الحكايه دى لدرجة أنّى علّقت على المقال بس تعليقى لم ينشر و يبدو أنّه لن ينشر .. حاجه كده على طريقة "شوفوا لنا عدو نحاربه اليومين دول و مفيش مانع يكونوا الأثرياء أصحاب النفوذ" و كأن من يعمل بالخليج و يرسل لأبنائه فى "مصر" أموال بقى فى سلّه واحده مع سارقى قوت الشعب و "هلمّوا يا رجال و لنأخذ من كل رجل قبيله" !!


==========
بنت القمر
==========

أنا شخصيا -كما ذكرت فى التعليقات السابقه- لا أؤمن بوجود مؤامره فى الموضوع ..


========
speaking
========

أهلين أهلين :) تمام .. ده سبب جوهرى و مهم لو نحن نبحث عن سبب "حقيقى" و ليس سبب ظاهرى أو عرض و ليس المرض نفسه