Monday, January 28, 2008

حديث الصباح و المساء

من غير كلام كتير .. أدعوكم للاستماع لتتر الختام لمسلسل حديث الصباح و المساء خاصة الفقره الأخيره فيه التى كنت أنتظر كلّما يذاع المسلسل أو تعاد إذاعته للاستماع إليها ..
اختلفت الأقوال حول كاتب هذه الكلمات المؤثّره جدّا وقد يكون "سيد حجاب" لكن الأحان طبعا ل "عمّار الشريعى" .. أرجو أن تستمتعوا به
الصبح طفل برئ ومساه يبان تجاعيد
وفوق طريق الايام تجرى الحياه مشاوير
ونشوف ملامح الزمن متعاده فى المواليد
واحنا البشر كلنا اعمار ورق بيطير

دايره تدور بالبشر وياّ الزمان بتفوت
دمعه على اللى مضى و دمعة فرح بالجاى
يا حىّ طول مانت حىّ مسيره ييجى الدور
دى حكايه متكرّره من يوم ولادة الضىّ

الصبح طفل برئ ومساه يبان تجاعيد
وفوق طريق الايام تجرى الحياه مشاوير
ونشوف ملامح الزمن متعاده فى المواليد
واحنا البشر كلنا اعمار ورق بيطير

ياللىّ انت عايش حياه بص لها تلقاها
سبحة هنا و تنفرط بالعمر مانشوفهاش
ولا شئ يعطّر حياتنا يمد فى مداها
غير سيره عاشت هنا اكتر صاحبها ما عاش ..

Friday, January 25, 2008

معرض الكتاب

لأوّل مرّه فى حياتى ذهبت اليوم لمعرض الكتاب بمفردى تماما !!
فى كل عام كان هناك عدد محدود من الأصدقاء نذهب معا لكن لم تتح الفرصه هذا العام للذهاب ..
هدوء غريب كان يخيّم على المكان رغم أن اليوم بداية إجازة نصف العام و يوم الجمعه أى أن الفرصه متاحه سواء للطلبه أو العاملين للذهاب لكن قد يكون هذا تأثير الإنترنت على صناعة الكتاب الورقى .. هذا تخمينى المتواضع ..

"دار الشروق" تقدّم العديد من العناوين الجذّابه سواء التى تنشر لأوّل مرّه أو تلك التى تعيد نشرها .. أثار استيائى بشدّه أن الكتب التى أعلن أنّها ستنشر لمدوّنات لم تصل بعد لأى من أجنحة الدار و علمت الآن من أحد المدوّنات أن سبب التأخير هو عملية تغليف الكتب اللعينه !! العمليه لعينه فقط لأنّها أخّرت وصول الكتب إذ أن الدار توفّر نسخ غير مغلّفه من الكتب و حتى تلك التى لا يتوافر لها نسخه غير مغلّفه يمكن بكل بساطه طلب فتح أحدها من المشرفين على المكان "ناس ذوق ذوق ذوق فعلا"
لكن دار بحجم "دار الشروق" تعلم جيدا موعد المعرض و كان مفترض تستعد بالكتب قبل الافتتاح !! نفس الامر تكرّر مع بعض العناوين فى دار "ميريت"

"دار الشروق" تقدّم موضوعات جذّابه جدّا للأطفال -عجبتنى والله و كان نفسى أشترى منها لابن أختى مش ليا طبعا- و كان الله فى عون أهاليهم لأن أسعارها فعلا قد تصعّب على الكثيرين اقتناءها

هذا ما اشتريته من دار الشروق .. بعض العناوين لم تكن مدرجه أصلا فى خطّة الشراء و بعض ما كان موجودا بالخطّه لم أجده

السائرون نياما - سعد مكّاوى
ثانيه واحده من الحب - أحمد بهجت
صعاليك الزمن الجميل - يوسف الشريف
ممّا جرى فى بر مصر - يوسف الشريف
قدّمت أعذارى - عبد الوهاب مطاوع
تغريدة البجعه - مكّاوى سعيد

اتّجهت بعدها ل"مكتبة الشروق الدوليه" لشراء هذا الكتاب

بنك الفقراء - محمّد يونس

الكتاب مترجم لكن يبدو أن الترجمه جيّده كما أن موضوع "هل يمكن القضاء على الفقر" من الموضوعات التى أحب القراءه فيها

فشلت فشل ذريع فى الوصول ل "الدار المصريه اللبنانيه" .. فدخلت جناح "الهيئه العامه للكتاب" و كالمعتاد المكان مزدحم جدا و خانق و رغم المجهود الذى بذل فى ترتيب الكتب تبعا لموضوعها الزحام لا يترك فرصه للبحث أو السؤال عن أى شئ و انت و حظّك .. على غير المعتاد زرت جناح "أخبار اليوم" ولاحظت أنّه يعرض كتب "الهيئه العامه للكتاب" بشكل منظّم و جميل و من غير بهدله .. العناوين معظمها على طريقة "أخبار اليوم" مثير و يشعرك إنّك كبرت أوى على قراءة هذه الأشياء !!

اشتريت من جناح "أخبار اليوم" هذا الكتاب القديم طحن

ألحان السماء - محمود السعدنى

لفت نظرى وجود عدد كبير من أعمال "نوال السعداوى" ولم أكن أعرف أن لها كل هذا الانتاج بس ماشترتش حاجه :)

ذهبت بعدها إلى "دار الهلال" .. كالمعتاد تعرض عدد هائل من الروايات المترجمه و المحليّه .. بجد ربّنا يبارك لهم و إن كنت أظن أن عددا كبيرا من المعروض هو من تراث الدار و إن كان تراث ثرى جدّا .. اشتريت من عندهم

جامع الفراشات - جون فاولز "هى قديمه طبعا بس أنا ماقريتهاش"
تاييس - أناتول فرانس (نفس السطر اللىّ فوق)
آلهة الذباب - وليم جولدنج
على الجسر (أسطورة الزمان) - بنت الشاطئ

ولم أعثر على "عالم صوفيا" و شكلى هاقرا نسخة الانترنت رغم صعوبة الموضوع ده و رزالته

فى سراى 4 حيث "الناشرون العرب" اشتريت

جمهورية الفوضى - دكتور ياسر ثابت (اشتريته من دار العين
)الألبوم رقم 3 من سلسلة "نظر" - محيى الدين اللبّاد (اشتريته من دار الكتاب العربى)

كان فيه حاجات تانيه عاوزه أشتريها بس للأسف لم أجدها رغم طول البحث .. و كنت فى المعرض حاسّه إنّى اشتريت كتب كتيره تكفّى مدّه طويله دلوقت حاسّاهم قليلين :(

نصيحه أخويه : بلاش تاكلوا شاورمه من بتاعة المقهى الثقافى .. أنا كنت ناويه آكل كشرى عشان احتمال العك فيه محتمل بس للأسف السنه دى مفيش كشرى فاضطرّيت آكل الشاورما بتاعتهم .. و رغم إن علاقتى بالشاورما علاقه تاريخيه متينه صعب يؤثّر فيها شئ بس شاورما المقهى الثقافى شنيعه .. و كمان فيه قريّب منّه مكان تعقد فيه ندوات و للحظ ندوة اليوم واحد من الجمهور مسك فى خناق المحاضر و بقوا يتخانقوا مين فيهم بيفهم فى الحداثه أكتر و ما نابنا غير وجع الدماغ .. كل سنه أمّا كنّا نتغدّى هناك أنا و أصحابى كان الدكتور "عبد الوهاب المسيرى" بيبقى موجود فى المقهى بس السنه دى يبدو أن ظروف المرض تمنعه من التواجد .. ربنا يشفيه

و كل معرض و انتم طيبين :)

Wednesday, January 23, 2008

صباح الخير أيّها الأحزان





أوّل موقع أدخله فى الصباح هو الهوت ميل .. بعد أن قمت بعمل

sign out

تنتقل للصفحه الرئيسيه لموقع

MSN

ورغم أنّى لا أقرأ أخبار هذه الصفحه و يادوب أقرأ أحيانا عناوين النصائح العاطفيه التى تضعها فى العناوين من باب مطالعة ثقافات مغايره إلاّ إنّى هذه المرّه -حتى الآن لا أعرف لماذا- توقّفت و قرأت الخبر .. ربّما لأن الصوره ذكّرتنى أنّى رأيتها بالأمس خلال المرور السريع بين القنوات


الخبر كان يقول : العثور على الممثل الشاب "هيث ليجر" -28 عاما- ميّتا فى شقّته أمس و شكوك حول موته منتحرا نتيجة تناول جرعه زائده من الحبوب المنوّمه


استغرقت فى قراءة تفاصيل الخبر و بعض التفاصيل عن حياة الممثل الشاب الذى لم أعرفه قبل هذا اليوم

أغلقت الصفحه و لازمنى حزن غريب طول اليوم !! الأغرب أنّى تحدّثت مع زملاء العمل عن هذا الموضوع و طبعا تلقّيت قدر لا بأس به من السخريه فالرجل غير معروف أصلا لصغر العمر الذى قضاه فى التمثيل و قلّة أعماله الشهيره بالإضافه للسؤال المتكرّر


- طيب و انتى زعلانه ليه !!


أنا فقط توقّفت أمام مفارقه ما بين هذا الخبر و ما كنت أفكّر فيه من أيّام قليله حول الأشياء البسيطه التى تدخل السعاده على قلوبنا و كيف أنّه قد تحقّقت لهذا الشاب تقريبا كل الأسباب -البسيطه و الكبيسه- كى يسعد بحياته لكنّه لم يسعد بها .. الموقف مثير لقدر كبير من الشجن و صدمة الموت رغم علمنا جميعا أنّه حق لا مفرّ منه لا تأبى إلا أن تكون دائما و أبدا صادمه و مفجعه ..


:(

Sunday, January 20, 2008

أشياء تستحق الحياه


حين دخلت فراشى بالأمس بعد منتصف الليل بحوالىّ نصف ساعه .. كان كوب كبير من "البليله" بصحبتى و روايه مترجمه من روايات "نوبل" .. بعد أوّل رشفه من الكوب ابتسمت و شعرت بسعاده كبيره .. السكّر مظبوط كما أحبّه و بدأت أشعر بالدفء فى هذا الجو قارص البروده .. برغم إحساسى بأنّى شربت مقلب فى الروايه "مراعى الفردوس" إلاّ أنّى لا أشعر بأى ضيق و أواصل قراءتها بصبر كى أعرف كيف ستنتهى و إن كنت أتساءل دوما : لماذا حازت هذه الروايه على جائزة "نوبل" و الترابط بين أحداثها و شخوصها يحدث بالكاد !!


لكن سعادتى بالدفء و روعة "البليله" تتغلّب على كل المشاعر السلبيه الأخرى و تدفعنى للتفكير فى أمور أخرى منحتنى السعاده مؤخّرا على طريقة "أذكر خمسة أشياء جعلتك سعيدا خلال الأسبوع الأخير" ..


صوت "محمّد صدّيق المنشاوى" المألوف جدّا الذى تسمعه من إذاعة القرآن الكريم خلال الطريق إلى العمل فى الثامنه صباحا .. حاله من السكون و السكينه تخيّم على التاكسى مع صوت القارئ حاملة معها شعور عجيب بالدفء !!


أشعّة الشمس المتلصّصه التى تظهر كأنّما لتخرجنا من حالة الكآبه التى تسببها الغيوم لا كى تبث فينا الدفء فهى ضعيفه جدّا لكنّها كافيه !!


الشوارع الخاليه تقريبا من المارّه سواء فى الذهاب أو العوده بسبب قرب إجازة نصف العام و بسبب البرد


مش لازم تكون القائمه التى أذكرها مضتمّنه لخمسة أشياء بالعدد لهذا سأكتفى بهذا القدر .. و إن كنت خلال التفكير فى هذه الأشياء تذكّرت هذه الأبيات ل "محمود درويش" و شعرت أن أحدها يمكن أن يكون عنوانا لهذه السطور




على هذه الأرض ما يستحق الحياة



تردد إبريل

رائحة الخبز في الفجر

آراء أمرأة في الرجال

كتابات أسخيليوس

أول الحب

عشب على حجر

أمهات تقفن على خيط ناي

وخوف الغزاة من الذكريات


على هذه الأرض ما يستحق الحياة



نهاية أيلول

سيدة تترك الأربعين بكامل شمسها

ساعة الشمس في السجن

غيم يقلد سربا من الكائنات

هتافات شعب لمن يصعدون إلى حتفهم باسمين

وخوف الطغاة من الأغنيات


على هذه الأرض ما يستحق الحياة



على هذه الأرض سيدة الأرض

أم البدايات

أم النهايات

كانت تسمى فلسطين

صارت تسمى فلسطين

سيدتي: أستحق، لأنك سيدتي، أستحق الحياة

Sunday, January 13, 2008

م القلب للقلب

الأسبوع الماضى تفرّجت على فيلم "من القلب للقلب"
أحب هذا الفيلم بشكل خاص أساسا بسبب الأغنيه التى يحمل اسمها كما أنّه يدور فى أجواء عائليه ظريفه و خفيفة الظل .. الفيلم كان مناسب كمان لجو الشتاء و حالة الدفء و الرحرحه التى كنت أحياها "بمناسبة نزولى الشغل النهارده :)"

ممكن نحكى نبذه سريعه عن الفيلم على افتراض أن البعض لا يعرف قصّته .. "عادل" شاب وسيم من أسره ثريه ترغب فى تزويجه من فتاه ثريّه مثله .. يرفض "عادل" و يقرر الدفع بفتاه تعمل فى ملهى ليلى مع قريب لها بصفتهم أفراد من أسره ثريه للتعرّف على أسرته فتنال إعجابهم و رضاهم ومن ثمّ ترشيحهم لها كعروس مناسبه .. قام بدور "عادل" كمال الشنّاوى و قامت بدور البطله "لطافه" التى تحوّلت إلى "هدى" ليلى مراد

المهم إنّى لاحظت بعد اكتشاف أسرة "عادل" لحقيقة الفتاه و كونها بتفتح للزباين تمسّكهم الشديد بها لحد قول والدة "عادل" لها : انا عمرى ما كنت هالاقى لابنى زوجه أحسن منّك !!

هذه المواجهه بين فتاه ليست فوق مستوى الشبهات و أخرى من أسره -غالبا ثريّه- من الأمور التى كثيرا ما لفتت نظرى فى الأفلام القديمه !!

فغالبا ما تكون المقارنه بين فتاه عملت "بشرفها"راقصه فى كباريه مثلا "يمنحك الفيلم طوال الأحداث شعورا أنّه رغم كل الظروف المهببه و رغم كل الضغوط فهذه الفتاه ماشيه بشرفها" و أخرى لا تنتمى لأسره عاديّه "ربّما كى لا تثير حفيظة المشاهدين بتوع زمان و استيائهم على اعتبار أن هذه هى الشريحه الاجتماعيه التى ينتمون لها" بل لأسره ثريه ثراء واضحا فى الفيلم !! هذه الفتاه الثانيه قد تكون ثقيلة الظل / شرّيره و حاقده / هبله و مسّكوها طبله / مرتديه لنظّاره "قعر كوبايه" كما فى هذا الفيلم .. المهم أن تمثّل نموذجا لا يصمد امام جمال /خفّة ظل / ذكاء / طيبة / "نبل أخلاق !!" البطله التى تمتهن مهنه لا تجعلها فوق مستوى الشبهات !! لكن الأكثر إثاره للدهشه لحد الغيظ ليس مثلا الخروج بنتيجة إن "كلّنا ولا حوّا و آدم و محدّش أحسن من حد" أى أن فتاة الكباريه مثاليه و الفتاه الأخرى بنت حلال !! لأ للجبروت تكون النتيجه الدائمه أن فتاة الكباريه أحسن و أروع ولن أجد لابنى عروس أفضل منها !!

لا أفهم لماذا كانت أفلام قديمه لم يكن فى وقت عرضها جدل دائم حول قضية الحجاب مثلا أو وضع للمحجّبات فى مواجهه مستمره مع الغير محجّبات و تساؤل لا يهدأ حول الأخلاق التى تتّسم بها مرتديات الحجاب و مدى اتّساقها مع الزى الذى يرتدينه تجرى هذه المواجهه الأخلاقيه و تنتصر لنفس الطرف فى كل مرّه .. وقتها لم تكن قضية الفضيله و الأخلاق من القضايا الخلافيه كما هو حادث الآن
!! و رغم هذا كانت هذه الأفلام تتحدّى مشاعر مشاهديها بشكل مثير .. ربّما اعتمادا على ثقة الجمهور فى أخلاق البطله شخصيا -خارج سياق الفيلم و ليس من خلاله- فهو لم ير "ليلى مراد" مثلا تتبادل القبلات فى أى فيلم ناهيك عن أن تلبس المايوه مثلا وهى مطربه محترمه جدّا !! ولم ير "فاتن حمامه"ترقص فى أى كباريه -على كثرتها فى أفلام زمان- وهى دائما و أبدا مظلومه وملائكيه حتى وهى تؤدّى دور العاهره كما أن لقبها هو "سيّدة الشاشه العربيه" !! ومن ثمّ قناعته بما تقوله والدة البطل من أنّها لن تجد عروسا أفضل من فتاة الكباريه راجع لأنّه يثق فى أخلاق الممثله ذاتها و ليس لقناعته أن البطله فى ثوبها الجديد .. وهى تجالس زبائن المحل يعنى .. أفضل فعلا من الفتاه الأخرى ..

Thursday, January 03, 2008

العوده

للمرّه الأولى منذ أيّام عديده أسير على أرض المطار بقدمىّ معا. أذهب للفرجه على السوق الحرّه لا لشئ سوى لرغبتى فى المشى مثل باقى خلق ربنا .. يتأخّر موعد الطائره ساعتين و أكاد أجن و أشعر أنّى غير قادره على المزيد من الانتظار .. نصعد الطائره فى الثانيه صباحا .. فى الرابعه إلاّ الربع بتوقيت القاهره يعلن قائد الطائره وصولنا مصر أخيرا .. امتلأت عينىّ بالدموع مع سماعى لصوته و ربّما كانت المرّه الأولى التى أشعر فيها بأنّى أنجزت شيئا ما .. رغم الفوضى الرهيبه فى المطار نجد حقائبنا أخيرا و نخرج من المطار لمقابلة الأهل المنتظرين .. كانت ملابسنا بحكم الجو فى السعوديه ملابس صيفيه تماما بينما جو القاهره فى هذا الوقت من العام بارد جدّا .. كانت أمّى قد أرسلت لى بالطو لأرتديه بعد أن علمت فى آخر مكالمه بيننا أنّى لا أرتدى سوى جلباب صيفى و إصرارى أنّنا لن نحتاج لملابس ثقيله !! شعور بالذهول يعترينى خلال العوده للمنزل .. أشعر أنّى غير قادره على الكلام كأنّى كنت فى حلم طويل لم أستيقظ منه بعد .. أشعر بصدمه عنيفه حين أعلم باغتيال "بينظير بوتو" فى أوّل إشاره لعودتنا لحياتنا السابقه .. مع عودة "بوتو" لباكستان قبل ما يقرب من شهرين و حصولها على وعد بالعفو عنها عن جرائم فساد مالى كنت أتساءل وقد تراجع كثيرا تقديرى لها هل يكفى الحصول على عفو سياسى كى يطهّر الإنسان من خطاياه !! رغم ذلك أشعر باكتئاب لحادث الاغتيال و أعود للصمت مرّه أخرى و أتساءل لماذا كنت أشعر بالفضول لمعرفة ما جرى فى العالم إذن ..

خلاص وصلنا البيت.

الرحله - 6

الإفاضه

بدأت الطواف اليوم فى حوالىّ التاسعه و النصف صباحا. الزحام شديد ككل وقت. فى بعض الأماكن تجد حولك فسحه تسمح لك بالحركه المريحه و فى البعض الآخر تشعر بقرب خروج روحك اختناقا من الزحام. الطواف هذه المرّه أصعب من طواف القدوم بسبب صعوبة احتفاظى بتوازنى و يمكن السقوط بسهوله مع أى دفعه وما أكثرها لكن هنا تظهر فائدة الزحام الذى لا يترك لك كثيرا من الفراغ كى تسقط فيه !! احتملتنى قدمى حتى انتهاء الطواف ثم أعلنت العصيان؛ يبدو أنّها حاله نفسيه!! يدهشنى كثيرا فى الطواف أن يدفعك أحدهم أو يلكمك بكوعه فى جنبك و حين تنظر له/لها متعجّبا تجد آيات البراءه على وجهه/وجهها كأن لم يفعل شيئا!! موقف سيظل يثير استغرابى فيما يبدو. أقترب أحيانا من الكعبه ولا أفكّر فى المزيد من الاقتراب. أتشبّث كثيرا بنظرية التديّن الجاف إذ لا أرى أهمّيه للمس الكعبه أو الاقتراب منها. بالمصعد أمس سمعت إحداهن وهى تتفاخر بلمس الكعبه مرّتين و تباهى برائحة المسك التى علقت بيدها منها !! ما أعرفه أن لمس الحجر الأسود هو فقط ما يمثّل قيمه يمكن السعى لتحقيقها إذا كان ممكنا وما عدا ذلك لا أهميّه له !! البعض يتمسّح بالحجره الزجاجيه المحيط بمقام "ابراهيم" -اقتربت منه كثيرا اليوم- برغم أن تلك الحجره لا تمت لابراهيم أو عصره بأى صله !!

يا سبعى

كتبت الفقرتين السابقتين أثناء جلوسى بالشارع بين صلاتىّ المغرب و العشاء. الجو رائع جدّا و بديع و قد قرّرت الصلاه على الرصيف فى منتصف المسافه بين الفندق و الحرم. أرى خالى عائدا من الصلاه بالحرم دون أن يرانى هو فى مجلسى. أبتسم دون أن أناديه. إحدى زميلاتى بالغرفه تتصعّب من وقت لآخر على حالها مؤكّده أن لو كان معها زوجها لاختلف الوضع و أن الرحله "محتاجه راجل" !! لا أدرى ما الذى كان يمكن أن يقوم به زوجها لو تواجد معها وقد أخبرتنا سابقا أنّه أجرى عملية قلب مفتوح و سنّه متقدّمه!! ولا أدرى هل قيمة الرجل هى فيما يقدّمه من دعم جسدى فإن انتفى قيامه بهذا فقد قيمته !! غالب ظنّى أنّه لو تواجد زوجها معها ما كانت حمّلته أى مجهود و لاكتفت بوجوده بالجوار و ربّما كانت حملت حقائبه عنه !!:)
لكن اللافت للنظر أنّه مع قدوم النساء للحج -وهو جهاد المرأه- أن يتوقّعن من الرجال العون فى حمل الحقائب الثقيله جدا حتى و إن زادت عن المعقول !! فالحج شاق على الرجل أيضا ومن قبيل السذاجه تخيّل أنّه سيظل قادرا على تقديم العون للنساء معه بالرحله كما يحدث فى الظروف الحياتيه الطبيعيه. فزميلتنا هذه اشترت قدرا هائلا من الهدايا اضطرّها لشراء حقائب إضافيه و يبدو أنّها على معرفه بعيده بأحد الحجّاج معنا إلاّ أنّه كلّما رآها وهى تحمل حقائبها خلال الانتقال من مكان لآخر تجاهلها :) و تبدى هى استنكارها و تعجّبها من تنكّره لوصية من أوصته بها خيرا !! بينما كنت أرى موقفه عادى جدّا إذ لا يعقل أن تشترى ما تعجز هى و رجلان معها عن حمله ثم تشكو تجاهل البعض لها كما أن كل إنسان مشغول بهمّه ..

ولا الضالّين

يا الله .. صوت إمام الحرم المكّى رائع جدّا و بالغ العذوبه. حين تستمع منه لكلمة "ولا الضّالين" فى ختام سورة "الفاتحه" قد تشعر برغبه فى البكاء دون تكلّف أو افتعال. كنت أسعد بالصلوات الجهريه التى تتيح فرصة الاستماع لصوته وهو يتلو آيات القرآن و أرغب فى الاستزاده من الاستماع. صدمت اليوم حين رفع أذان المغرب صوت أجش يبدو أن صاحبه أصيب حديثا بالبرد لكن الحمد لله جاء الصوت الجميل ليؤمّ الصلاه و يسعدنا بقراءته. كنت فى المسجد النبوى أطرب جدّا لقراءة أئمّته الذين كانوا يتغيّرون تبعا لوقت الصلاه. لفت نظرى أن صوت أحدهم يشبه كثيرا صوت "الحذيفى" الذى يبدو مختلفا حين تسمعه حيّا و ليس من خلال تسجيلات؛ بعد أن غادرنا المدينه فوجئت بخالى يقول لى أن الحذيفى فعلا كان هو من يؤمّ الصلاه. نظرت إليه بذهول و تساءلت : هو الحذيفى لسّه عايش أصلا !!
المهم أن هذا الموضوع أعادنى مرّه أخرى للتفكير فيما قاله "خالد منتصر" حول قارئى القرآن السعوديين. فليسوا كلّهم ذوى أصوات رديئه لا فنّ فى قراءتها للقرآن كما أنّه ليس كل القرّاء المصريين من ذوى الأصوات الحسنه. هو غالبا استمع لقارئ أو اثنين من مشاهير القرّاء السعوديين و أطلق تعميما غير صائب.

تحديث من مصر:كنت قد علمت خلال وجودنا بمكّه أن الإمام اسمه "ماهر" و بعد العوده بحثت عن اسمه فى أحد المواقع التى تتيح الاستماع للقرآن بأصوات قرّاء مختلفين و وجدته بالفعل. أستمع كثيرا لسورة "الحج" بصوته و أندهش من عدد المرّات التى أستمع لها بصوته كل يوم !!

وحدة

منذ الأمس بدأ شعور غريب يرادونى وهو إنّى أريد أن أقرأ شيئا ما. خلال أيّام الرحله السابقه لم أقرأ سوى فى المصحف و كتب دينيه وزّعت علينا خلال وجودنا ب "منى"لم أكن وقتها أفكّر أو أرغب فى قراءة أى شئ آخر؛ قراءة القرآن سهله و يسيره ويكاد يكون أداء كل العبادات أسهل من أدائها حتى فى رمضان !! كنت قد سمعت أكثر من مرّه أنّه بعد فراغ الحاج من أداء المناسك يبدأ فى افتقاد حياته الدنيويه و التشوّق للعوده للوطن !! وقد بدأت فعلا أشعر بهذا الشعور بعد الفراغ من طواف الإفاضه و شعورى النسبى بالاطمئنان أنّى قد أدّيت كل المناسك؛ و اليوم أو الأمس أضيف لهذا الشعور شعور بالوحده و الرغبه فى قراءة شئ ما ليس له صفه دينيه. أشعر ببعض الفضول -دون حماس حقيقى- لمعرفة ما جرى فى مصر خلال الايام الماضيه فينتابنى شعور بتأنيب الضمير بسبب هذا الشعور و أقول لنفسى وما الفائده من معرفة أى من هذا !! و الحقيقه هى إنّى بدأت أشعر بالوقت يطول هنا و برغبه متزايده فى العوده للوطن.

نعمه

صرت أؤدّى نصف الصلوات بالمسجد و النصف الآخر بالشارع. أنتقى مكانا ثابتا لا يتغيّر و أجلس فيه لقراءة القرآن قبيل الصلاه حتى يحين وقتها. صرت مثل شيخ البلد كلّما جلست مرّت بى بعض الزميلات للاطمئنان على حالة قدمى. كنت أشعر بسعاده و امتنان شديدين لهذا الموقف. كنت أنظر فى أحيان كثيره لأرجل السائرين أمامى و أتعجّب من روعة أن يسير المرء على قدميه معا وكيف أن ألم بجزء بسيط من قدمه فقط وليس ساقه كلّها يمكن أن يمنعه من أن يمشى فى الأرض مرحا !! أنظر لكل زوجين من الأقدام تسيران على الأرض بثبات بينما أنا أقفز على قدم و نصف و أشعر بالضيق إذ أن حالة قدمى تتحسّن ببطء شديد و يبدو أنّها لن تبرأ تماما سوى مع العوده لمصر
المحروسه.

العشاء الأخير (العشاء بكسر العين)

بالأمس كانت ليلتنا الأخيره بمكّه. شعرت بعد تسليم حقائبى أنّى قد قطعت نصف الطريق إلى مصر. فى الطريق من المسجد إلى الفندق سائق سيارة أجره ينادى على منطقه اسمها "العزيزيه" فأرد قائله : شكرا فيضيف : طيب مصر؟ أبتسم و أنا أقول : يا ريت. فى هذه الليله وما سبقها تستطيع أن ترى الحجّاج وهو يعودون لسابق عهدهم بالحياه -هذا إن كانوا قد انسلخوا عنها من الأصل- فيبدأ النقاش حول قيمة الوزن الذى سيدفعوه و خططهم للاعتراض مسبقا على أى قيمه ستطلب منهم ناهيك عن بحث بعضهم عن "واسطه" تعفيه من دفع أى رسوم ولا تسل عن علاقة كل هذا بما أدّوه من مناسك !!
سمعت اليوم أن أحد أفراد العائله المالكه قد حضر صلاة المغرب ومن ثمّ تمّ إخلاء دائره متّسعه حول الكعبه من الطائفين كى يتمكّن هو من أداء الصلاه !! لم يدهشنى الموقف قدر ما أدهشنى التماس العذر له بالقول أن الله خلقنا فوق بعض درجات !! إذ ما دخل الله و مشيئته بهذه الطبقيه الإنسانيه التى يمارسها البشر تجاه بعضهم البعض !! هذا بيت الله وليس بيت الأمير كى يفسح لنفسه ما شاء من مكان ليصلّى وإلاّ سيصير مقبولا فى وقت لاحق أن يخلى المكان بالكامل له و لضيوفه !! آل درجات آل.

طواف الوداع

بعد صلاة الفجر بالشارع توجّهنا لأداء طواف الوداع. كان هو الطواف الأصعب حيث لا أدرى اسباب استهبال بعض الطائفين إذ تجد من يستند عليك فجأه بكل عشم دون سابق معرفه !! وجدتنى خلال هذا الطواف أتساءل عمّا يضيفه الطواف من سيئات أو يخصمه من رصيد الحسنات الخاصه بالطائفين و تكوّنت لدىّ قناعه أن النتيجه سلبيه بكل تأكيد؛ إذ كيف يمكن أن يكون الاحتكاك الجسدى بين هذا الكم من النساء و الرجال ذو أى صله بالروحانيّات !! هذا الطواف كان الأكثر بالنسبة لى فى الجدال و العراك ممّا زاد كثيرا فى شعورى بأثره السلبى على الحجّه ككل. كنت فيما مضى أفكّر فى هذا الطواف بوصفه الغلاف النهائى لهديه تعبت فى انتقائها و شرائها. اليوم أشعر أن الهديّه نفسها شابها كثير من التلف ولم تخرج فى الثوب اللائق الذى كنت أرجوه وها هو تغليفها النهائى سيكمل السيره. اليوم و أمس كنت أفكّر أن الحج هو الركن الوحيد من العبادات الذى لا يمكن أداؤه بمعزل عن الناس؛ إذ أنت مجبر على أن تكون بين ألوف من البشر خلال تأدية المناسك. كنت أنظر إلى المتدافعين و المتلامسين و المستهبلين من البشر حولى و أتساءل عن جدوى كل هذا بالنسبة لهم وهل سيغير الحج شيئا من أدائنا الحياتى بعد العوده لأوطاننا ولم يبق من الرحله سوى اللقب !! كانت إجابتى على سؤالى متشائمه خاصة مع ما سمعته خلال الإفطار عن حادث ضرب أحد الرجال لامرأه قرب الحجر الأسود !! حاولت تخيّل الرجل وقد فرغ من الضرب ثم اتّجهت يمينه التى ضربت المرأه لمصافحة يمين الله فى الأرض "الحجر الأسود" فشعرت بعبثيه شديده و إحباط أشد.

الرحله - 5

تشريق - 1

اليوم هو أوّل أيّام التشريق؛ لم يعد الحصول على طعام أو شراب يشكّل داعيا للجدل أو العراك بل صار هناك فائض دائم من كل شئ. لم يعد أحد تقريبا يأخذّ أى شئ ليكدّسه بجواره كما حدث فى يوم عرفه بل صار هناك اطمئنان و سكون من هذه الناحيه ممّا دفعنى للتفكير فى الأمر على مستوى الأمم فى وقت أزماتها. فى بداية الرحله كانت هناك مقوله تستفزّنى تقول أن دور الشباب هو خدمة كبار السن. شئ بديهى لا يحتاج لنقاش أن أى إنسان -شاب أو غير شاب- يقدر على تقديم العون لغيره -بغض النظر عن سنّه- يجب أن يقوم بهذا. لكن ما يدهشنى هو تنازل كبار السن عن نصيب وافر من الثواب فى رحله روحيه كهذه لأنّهم يصنّفون أنفسهم تحت راية "كبار السن" رغم قدرتهم على العون !! تغيّر الموقف الآن بصوره واضحه و صار كثيرون من الكبار يعرضون خدماتهم على الجميع و إن كنت بصراحه أخجل من طلب أى شئ منهم خاصة مع تراجع قدرتى على التعاون.
بعد تناول قرصين من المسكّنات ذهبنا لرمى الجمرات؛ اليوم أكثر ضجيجا و زحاما بسبب رمى الجمرات الثلاث. تأمّلت موقع الرمى و وجدته من داخل النفق يشبه عمود من أعمدة الكوبرى و ليس هناك ما يميزه سوى الحجر الذى استخدم لكسوته و الذى قد يكون تشقّق بعد ما ناله من ملايين الحصوات التى تلقى عليه كل عام!! أصبحت خبرتنا فى الموضوع أكبر و اخترنا هذه المرّه موقعا أقرب لمرمى الإصابه بل و توافرت لدينا الفرصه لجمع الجمرات من مكان الرمى نفسه.

تشريق - 2

تقريبا نفس برنامج الأمس. مشكلة قدمى جعلتنى ألحظ أن التجمّع النسائى و إن كان يحمل قدرا من محاولة فرض السيطره -كما قلت لخالى فى بداية الرحله- إلاّ أنّه يحمل نقطه إيجابيه غابت عنّى؛ فهو يجعل من يمر بحالة ضعف و ألم كالتى أمر بها موضع اهتمام و رعاية الجميع تقريبا !! فهذه تعرض مساندتى للذهاب للوضوء و الصلاه و أخرى تحضر لى الطعام و الشاى و هناك الكثير جدّا من السؤال المخلص و الدعوات الصادقه بالشفاء. أشعر بالخجل من نفسى بسبب أفكارى حول كبار السن و الشباب.
ملاحظه: يسألنى كثيرون بفضول مشوب ببعض القلق : إنتى صحفيه؟ متسائلين لماذا أنكب من وقت لآخر على الورق لأكتب شيئا ما !!
بدأت أفقد شهيّتى للطعام تماما؛ لا أدرى هل السبب هو كثرة الشكوى من الطعام نفسه أم التحذيرات العديده التى تلقّيتها بشأن أصناف الطعام التى يجب تجنّبها مراعاة لحالة قدمى والتى لا تترك لى شيئا سوى الماء !! حتى العصائر يجب تجنّبها بسبب المواد الحافظه !! أشعر بافتقادى الاتّزان فى بعض الأوقات و أسأل نفسى هل يمكن أن يشعر الإنسان أنّه قد تطهّر روحيا من ذنوبه و آثامه بينما هو يشعر بحاجته للغمر فى محلول الدى دى تى قبل أن يسمح له بالعوده لمنزله !! لا أدرى لماذا أشعر أن نبرة تشاؤم و تبرّم بدأت تتسلّل إلىّ رغم أن حالة المكان ليست سيئه إطلاقا بل هو أفضل من معسكرات أخرى مررت عليها أمس بعد أن تهنا فى طريق العوده بعد رمى الجمرات لكن يبدو أن المرض يجعل الإنسان فى حالة كآبه و سوداويه لا مبرر لها.

تشريق - 3

أكتب هذه السطور بعد يومين من مغادرتنا "منى". أستطيع أن أقول أنّها أكثر مكان كرهته خلال رحلة الحج. أطلق العنان لنفسى للشعور بهذا الشعور الآن بعد أن خرجنا منها وكنت أكتم شعورى هذا ونحن بها تجنّبا للشعور بالاختناق النفسى حيث لا مفرّ من قضاء الله. ربّما تكون أيام "منى" هى أكثر شئ يجعلنى غير قادره على تصوّر إعادة تجربة الحج مرّه أخرى. أشعر بصدمه شديده لكونى لا أكرر على مسامع من حولى رغبتى فى العوده لأدائها مره أخرى ولا أدعو بها حتى فى سرّى بل أدعو أن تكون هذه الحجّه مقبوله تغنينى عن الحاجه للإعاده. لا أعرف هل هناك خلل ما فى تفكيرى و إحساسى فمعظم إن لم يكن كل من أعرفهم يرغبون فى إعادة الحج مرّه أخرى و أنا لا أستطيع تصوّر هذا أصلا. عانيت بشدّه فى ليلتنا الأخيره فى "منى" بعد اشتداد دور البرد و السعال علىّ و ارتفاع درجة حرارتى إضافة لآلام قدمى و امتلأ نومى بالكوابيس وما يشبه الهلاوس !! اضطررت للتنازل عن رمى الجمرات فى اليوم الأخير ولم أغادر الفراش سوى للصلاه. كانت المفاجأه السيئه حقّا التى فاجأتنا بها الشركه هى أنّنا لن نغادر "منى" بعد الرميه الأخيره و إنّما سنبقى حتى اليوم التالى !! كنت أشعر أنّنا بحاجه لمعجزه إلهيه تنتشلنا من هذا المكان. عافت نفسى الطعام رغم احتياجى له لتناول عدد من الأدويه. كرهت اللحم و الدجاج كراهية التحريم فى "منى" ولم أنظر لأيّهما بعد وصولنا "مكّه" وحتى قبيل مغادرتنا السعوديه كلّها. فى هذا الوقت كانت الأحاديث فى المكان تدور حول موضوع واحد هو : لماذا لا تأخذنا الشركه إلى الحرم كى نبيت ليلتنا هناك !! كانت الفكره فى نظرى هى الأسخف وكنت أرفضها طبعا حين أسأل عن رأيى. ليس فقط لظروف مرضى لكن لعدم آدمية الفكره ككلّ. لا أدرى لماذا يستمرئ كثيرون فكرة النوم و المبيت بالمسجد ولم يأخذونها بهذه البساطه !! و هب أنّهم قادرون على المبيت بالمسجد ماذا عن الراغبين فى الصلاه أو الطواف وما ذنبهم فى أن يعانوا صعوبة أداء المناسك بسبب رغبة البعض فى النوم بالمسجد !! أبدت كثيرات درجه مرعبه من الخنوع و التذلّل وهن يرددن فكرة الذهاب للحرم و النوم هناك ؛ كنت قبل هذا الوقت أبتسم حين أستمع لسيده مصريه تتحدّث بلهجه ريفيه فأشعر بكلماتها تخرج من فمها محمّله بقدر هائل من الاستكانه و الاستسلام كان يدهشنى حقّا إذ أتخيّل أنّها كنت تبكى بنفس الاستكانه و الاستسلام منذ كانت طفله رضيعه!! هذه المرّه لم يكن الأمر مثيرا للابتسام و شعرت أن بالأمر خطأ ما فالاجتهاد فى التقرّب إلى الله لا علاقة له بقبول أوضاع غير آدميه لا تسيئ فقط لمن يقبلها بل تسيئ لغيره كذلك و تضيّق عليهم !!

تحققت المعجزه قبل صلاة المغرب و أصدرت السلطات السعوديه قرارا بإغلاق المعسكر كلّه خلال ساعتين وصار حتميا أن نغادر المكان. بدأت أشعر بتحسّن ما فى صحّتى مع مغادرتنا المكان ونحن بعد فى الأتوبيس الذى سينقلنا إلى "مكّه". علّق أحد الحجّاج داعيا أن تكون هذه آخر مرّه نأتى فيها للحج مع مثل هذه الشركه فردّت عليه إحدى السيدات قائله :

- لأ نيجى مع أوسخ منها كمان (بنفس نص الكلمات)

انفعل خالى متسائلا:

- لماذا؟ هل يجب أن يكون هناك قدر ما من البهدله حتى يرضى الله عنّا !!

فأجابت سيده أخرى بجوار الأولى:

- نحن فى رحله إلى الله يجب أن نتحمّل فيها أى شئ و كتّر خير الشركه.

كنت أتابع الحوار و أنا أبتسم و أحاول إقناع خالى بالتوقّف عن النقاش الذى لن يجدى فهدأ قليلا ثم أنهى الحوار قائلا:

- طيب ابقوا شوفوا لنا اتنين وسخين معاكم !!

كان هذا الحوار داعيا جديدا للتفكير فى هذه الذلّه و الخضوع التى يبدها المصريون إذا ما تعلّق الأمر بطقس دينى !! كانت السيده قد علّقت خلال الحديث مع خالى أنّنا لا نعترض على أى شئ فى مصر فهل صار هذا قدرنا الأبدى !! كانت الكثيرات يبدين شوقا كبيرا للذهاب للحرم ولو للمبيت هناك و السلام و كان لدىّ شك كبير فى هذا الحماس وقد تحقّق شكّى بعد وصولنا للفندق إذ كانت إجراءات التسكين بحاجه لما لا يقل عن ساعتين و اقترح المشرف على الرحله الذهاب لأداء طواف الإفاضه خلال هاتين الساعتين فوجدت من تحمّسوا سابقا للذهاب للحرم ولو للمبيت غير راغبين فيه سوى بعد الحصول على حمّام و تغيير الملابس للذهاب بحاله محترمه !! شئ كان مفروض يكون بديهى جدّا فى غمرة الحماس السابق وكان يفترض بمن يفكّر فى الذهاب للحرم أن يفكّر أنّه بحاجه أوّلا لمكان للإقامه و الاستقرار قبل الذهاب لأى مكان!!

بالنسبة لى كنت أعلم أنّى لن أذهب لأى مكان هذه الليله. كنت أحمل هم ذلك الطواف بشدّه إضافة إلى أنّى كنت قد أجّلت أداء السعى بين الصفا و المروه فى أوّل مره قدمنا فيها إلى مكّه فى يوم الترويه. التحقت بعد مرور ساعتين بزميلاتى السابقات بالمدينه. كانت الحجره مخصّصه لفردين فقط وكنّا أربعه بها على أن نحصل على غرفتنا الأصليه فى اليوم التالى. تقاسمت النوم على فراش ضيّق مع إحدى الزميلات. حين وضعت جنبى على الفراش تلك الليله حمدت الله إذ كان مقدّرا أن نبيت فى "منى" هذه الليله فكتب الله لنا غير ذلك. لم يكن نومى "كوابيس فرى" هذه الليله أيضا و إن كان عددها أقلّ و كنت كذلك أشعر ببعض التحسّن فى حالتى الصحيّه.
استيقظت فى الصباح الباكر على نقاش يدور حول الوقت المناسب لأداء الطواف وفوجئت بذكر اسمى فى الموضوع باعتبارى بحاجه لمن "يسحبنى" لأداء الطواف مع تقريعى لعدم قيامى بالسعى من قبل ممّا يجعل همّى همّين !! لم أكن فى الحقيقه قد طلبت العون من أحد -ولا حتى خالى- فى هذا الشأن لهذا فوجئت باعتبارى همّا يحمله البعض دون سؤاله المشاركه !! أعلنت أنّى لن أقوم بأى شئ هذا اليوم و سأكتفى بالبقاء حيث أنا و تفضّلوا جميعا لشئونكم الخاصّه.
كنت أشعر بضيق شديد لما أصاب قدمى و منعنى من حرّية الحركه كما أريد كما كان الحال فى المدينه :( لا أدرى لماذا كانت "مكّه" أصعب فى استقبالها لنا من "المدينه". كانت زيارتنا الأولى لها فى يوم الترويه كما ذكرت سابقا لأداء طواف القدوم. حول الحرم المكّى منطقه شديدة الزحام و الضوضاء على عكس المسجد النبوى. فى مكّه لا تشعر أن أحدا على استعداد للاهتمام بك أو حتى السؤال عنك؛ حتى داخل الحرم ليس هناك نظام كالذى يوجد بالمسجد النبوى !! لم أجرّب التعامل مع أى محال فى مكّه سوى محال الطعام و إن كنت سمعت من كثيرين عن غلظة معاملة البائعين لهم.
شعرت مرّه أخرى بالضيق لهذه المشاعر السلبيه التى أشعر بهذا فى هذا المكان و التى لم أصرّح بها لأحد و أخشى أن تكون سببا فى ألاّ تقبل حجّتى؛ لكنّى لا أستطيع الوصول لأى حاله روحانيه و أنا أشعر بالألم فى كل خطوه أخطوها ولا يعزّينى سوى رجائى أن يكون الأجر على قدر المشقّه.

عند الظهر خرجت لشراء سندوتشات طعميه و عصير برتقال من أحد المحال المجاوره للفندق "تحوّلت لكائن نباتى جدا حتى ركبنا طائرة العوده لمصر" وحين عدت للفندق كان لدىّ شبه يقين أنّى سأقوم هذه الليله إمّا بالسعى أو الطواف حسبما يتيسّر. بعد صلاة العشاء خارج الحرم -بعد أن صار الدخول إليه و البحث عن مكان داخله رفاهيه لا توفّرها الصحه المترديّه- كان الجهاد الحقيقى فى الدخول للمسجد ضد تيار كاسح من الخارجين منه. وصلت أخيرا لنقطة بداية السعى و بدأت فيه. بدأت السعى و كان دعائى فى الشوط الأوّل أن أستطيع إنهاؤه و إنهاء الطواف و وجدتنى أبكى من حالة اليأس الشديد التى كانت قد انتابتنى من قدرتى على القيام بأيّهما و بدونهما لا يستقيم الحج .. كان هذا من الأوقات التى شعرت فيها بالحاجه الشديد لعون الله و بقدر كبير من الهوان .. لم تكن فكرة أداء أى من السعى أو الطواف على مقعد متحرّك وارده من الأساس على ذهنى بل كانت فكره مثيره للخجل .. كان السعى هو المنسك الأكثر سلاما و جمالا بالنسبة لى فى الحج. استمتعت كثيرا بأدائه و الحمد لله حمدا كثيرا إذ كانت المرّه الأولى منذ زمن التى أستطيع أن أطأ الأرض بقدمى. كان الطريف أن قدمى بعد انتهاء السعى بدت و كأنّها أدركت انتهاء المهمّه أو قد يكون تأثير المسكّن انتهى مع انتهاء السعى فبدأت تضج بالألم مرّة أخرى. عدت للفندق و أنا فى غاية السعاده وقد عقدت العزم على القيام بالطواف فى اليوم التالى.

ملحوظه: كان يفترض القيام بالطواف أوّلا و ليس السعى ..

الرحله - 4

العيد عيدنا

اليوم هو أول أيام عيد الأضحى. كان يوم عرفه بالأمس إذن .. وصلنا عرفات قرب الفجر و ثارت كثيرات من حالة "العنبر" الذى كان مقرّرا لإقامة النساء. حاله من البرود تنتابنى ولا أريد أن أصرّح أنّى أجد المكان جيّدا ولا بأس به ؛ فهو مفروش بالسجّاد و به ثلاّجه للعصائر و الماء -كانت خاليه وقت وصولنا لكن الحال تغيّر- و سخّان للشاى و النسكافيه و عدد مناسب من الوسائد للنوم.
كان مدهشا ذلك الحديث المستفيض و الحوارات الجاده و حلقات النقاش التى تساءلت حول كيفية نومنا بهذا المكان رغم أنّنا لن نبيت به أصلا بل سنبقى حتى صلاة المغرب !! اندهشت كذلك من الحديث الذى أثار نقطة "إحنا دافعين فلوس" فهو يمكن أن يكون مقبولا فى رحله سياحيه وليس فى رحلة حج. مثلما يحدث فى أوقات الأزمات حين تثور شائعه عن نقص فى سلعة ما فيتنافس الجميع فى اقتنائها كان الحال مع كل ما يظهر من مواد غذائيه تأتى للعنبر :) لا أدرى لماذا قرّرت خوض غمار المعركه و قررت القيام بتقسيم ما يصلنا من مواد غذائيه بالعدل و التساوى على الجميع و أدهشنى أن استسلموا للفكره مرحّبين !!

بدأ الأمر بتوزيع باكتات الشاى و تطوّر ليشمل العصائر و زجاجات الماء و الفاكهه .. استغرق الأمر وقتا كنت خلاله أسأل نفسى : هل هذا هو ما يفترض أن يفعله الحاج فى يوم عرفه !! لكن سرور زميلات العنبر كان يمنحنى بعض الشعور بالراحه أن هذا أمر قد يحسب لى. كان طريفا أن يعترض البعض على فكرة التوزيع فى حد ذاتها رغبة فى ترك الامر لكياسة الحضور و حسن تقديرهم !! ولأنّه لم يكن هناك فى هذا الوقت أى دليل على إمكانية حدوث هذا فقد واصلنا التوزيع بعد انضمام متطوّعات جدد لعملية التوزيع.

كان لحصول كل فرد بالغرفه على نصيب عادل من كل شئ تأثير مدهش فى وصولهم لحاله من الاسترخاء و الهدوء بل و الرضا!! بل بدأت حاله من الإيثار و المشاركه تظهر فى المكان حتى وصلنا لحالة الوفره و تحقيق الفائض الغذائى فاقترحت عليهم ترك كل ما يستجد من أغذيه أو مشروبات فى الكراتين !! سألت نفسى وقتها يا ترى وقت الأزمات الاقتصاديه الحقيقيه هل يمكن تحجيم الخسائر بتحسين الحاله النفسيه للناس و توصيلهم لنقطه من الاطمئنان تجنّبهم فكرة التكالب و التصارع !!

كان طريفا أن يبدأ البعض البحث عن كروت لشحن الموبيل أو فيشه لتثبيت الشاحن برغم التوصيات المستفيضه فى اليوم السابق بتأجيل التواصل مع الأهل حتى نهاية اليوم !! حصلت على قدر من الشعبيه فى هذا اليوم -استفدت منه لاحقا مع تراجع حالتى الصحيه!!- و أصبح اسمى معروفا لكثيرات لم تتح لى الفرصه لمعرفة اسمائهن بالمثل .. بدأت أشعر بألم شديد فى قدمى اليسرى .. سيدات كثيرات من كبار السن بالمكان يثرن فى عقلى نفس التساؤل حول قيامهن بهذه الفريضه التى تشق على الشباب.

كان يوم عرفه شديد التميّز حقّا .. يوم اختلط فيه العمل الجماعى بالتعاون و الإيثار و التعارف و خدمة المجتمع !! مش كلام كبير لكنّى فعلا شعرت أن اليوم كان ثريّا و إن حمل مفهوم العباده فيه شكل و طعم مختلف. أسعدنى كذلك قدرتى على الانفصال فى الوقت المناسب عن الأحاديث الجانبيه التى بدأت بعد شرب الشاى و الركون إلى الراحه !! لابد أن هذا أثر التحذيرات المكثّفه التى تلقّيتها من أصدقائى الأعزّاء فجازاهم الله عنّى كل خير إن كنت قد وفّقت. شعرت يوم عرفات أن العيد الحقيقى إنّما يكون من نصيب الحجّاج وليس أى شخص آخر لا يقضى هذه المناسك البديعه.

مع حلول وقت الغداء حصلت على لقب وزير الماليه مع المطالبه بقيامى بتوزيع وجبة الغداء؛ كانت حالة قدمى اليسرى تسوء و لم أرغب فى المشاركه فى توزيع الطعام تجنّبا لإثارة مشاعر الضيق لدى البعض و هكذا حصلت على وجبتى و جلست لتناولها فى صمت. تأكّد إحساسى برغبة البعض فى افتعال مشاكل من لا شئ مع الشكوى التى أثيرت من رداءة السلطه المقدّمه مع الغداء .. لم يكن هناك متّسع من الوقت لكل هذه الحوارات لكن البعض أصرّ على تحويل الأمر لمشكله كبيره و حفز الثوّار على المطالبه بحقّهم فى سلطه لائقه !! كان الدافع الأساسى للتذمّر -فى رأيى الشخصى- هو مقارنة ما تقدّمه شركتنا مع ما تقدّمه شركات أخرى لحجّاجها رغم وجود فارق معتبر بين ما دفعناه و ما دفعوه مقابل الرحله !! تناولت الغداء بتلذّذ غريب و أنا أستمع بابتسام لتعليقات الثوّار عن هؤلاء الذين أعجبتهم الوجبه و أفسدوا -من ثمّ- شرعية ثورتهم و أجهضوا مطالبهم !! عادت الأفكار حول علاقة الفرد بالمجموعه لتطلّ برأسها من جديد : إذ هل يفترض أن يشترك الفرد فى ثوره لا يقتنع بوجاهة أسبابها لمجرّد أن الأغلبيه رأت ذلك !! مع ملاحظة أن ثوّارنا لم يكنّ أغلبيه لكن كان الموقف طريفا جدّا حين بدأت بعض السيدات فى التوقّف عن تناول الغداء -بعد الشروع فعلا فى تناوله- و الإشاره لرداءة الوجبه !!

حاااااااااااااسب

فى نشرات الأخبار يشيرون إليها بوصفها "نفرة الحجيج" .. وهو وصف لا يوضّح بأى حال من الأحوال صعوبة عبور مسافه تقدّر ب 800
متر فقط بين مخيّمات الحجّاج فى عرفات و أماكن انتظار الأتوبيسات التى ستقلّهم إلى "منى". الشارع عرضه 15 متر أو أقل يسير به ملايين فى نفس الوقت و فى نفس الاتّجاه. الموقف كان صعب فعلا بسبب الزحام و بسبب ألم قدمى الغير واضح السبب مع حمل حقيبة الملابس !! كانت هذه ال 800 متر هى أصعب مرحله فى الرحله حتى الآن وربّما ما زاد
الموقف صعوبة تخيّلى أن الصعوبات الحقيقيه تبدأ فى "منى" مع رمى الجمرات و ليس من "مزدلفه" !!
كان طبيعيا جدا أن يتوه البعض و يفقدوا طريقهم للأتوبيس الذى سيقلّنا إلى "مزدلفه" .. التوهان فى هذه المنطقه أمر مريع حقّا و وصولك للمجموعه التى تنتمى إليها يعد من قبيل المعجزات التى يجب أن تشكر الله عليها. و بسبب توهان رجل و بعض أفراد أسرته وبعد أن وصل للمجموعه و طالت يده المرشد المرافق لنا حتى حدث بينهما عراك بالأيدى !! بعد كل هذا التعب عراك بالأيدى مع غروب شمس يوم عرفه !! كان الأكثر إثاره للدهشه هو هذه البساطه التى عبّر بها الرجل عن قدرته على الحج مرّه أخرى بمفرده وكأنّه يهوّن على نفسه فداحة الأمر !! كده بكل بساطه !!

وصلنا إلى "مزدلفه" أخيرا لصلاة المغرب و العشاء و جمع جمرات يوم النحر. وقفت أحجل فى الشارع لجمع الجمرات بجوار الأتوبيس .. لا أدرى لم كان الموضوع يبدو مسلّيا -وإن كنت لا أنظر إليه باستخفاف- لكن ربّما كان سبب شعورى هذا هو سعادتى بانتهاء يوم عرفه على خير و الحمد لله رغم بعض المشاعر السلبيه التى شعرت بها خلال سيرنا ال 800 متر السابقه.

وصلنا "منى" .. تذكّرت و أنا أشاهد صفوف الخيام المتلاصقه ما كنّا نسمعه من قبل عن حوادث الحريق التى شبّت بها فى بعض السنين .. علمت الآن أن وقوع هذه الحوادث و فداحة خسائرها منطقى للغايه. كان لنا نصيب من التوهان قبل أن نصل لعنبر الحريم الخاص بنا. مع وصولنا لهذا المكان كنت تقريبا أبكى من الألم الشديد بقدمى اليسرى الذى جرى تشخيص سببه بزياده فى الأملاح تسبّب آلام شنيعه فى القدم و تقريبا لا أستطيع أن ألمس بها الأرض. الطريف أنّى لم أشك من هذا الأمر من قبل على الإطلاق !! و ما يقلقنى الآن هو كيف سأذهب لرمى الجمرات التى قيل أن موقعها يبعد عنّا بنحو 6 كم !! كيف أسير ببطء شديد و الموقف غالبا لا يحتمل أى تباطؤ !! كان العراك بين الزميلات و مشرفى الرحله على أشدّه بسبب ضيق المكان و ربّما يكون ممّا ضاعف أسباب الضيق المقارنه المعتاده مع الشركات الأخرى. كانت الساعه قد تجاوزت الثالثه صباحا حين قمت بفرد السرير الخاص بى و كوّمت كل متعلّقاتى على أحد أطرافه و انكمشت فى المساحه المتبقيّه و نمت بعمق شديد بينما العراك دائر على أشدّه.

يوم النحر

استيقظت فى الخامسه و النصف صباحا و العراك لازال دائرا !! استمتعت كثيرا بالنوم العميق الذى حظيت به. قبل أن أنام كانت بعض الزميلات يقمن بالاستعداد للذهاب لرمى الجمرات ولم أعرف هل يمكن الذهاب للرمى قبل صلاة الفجر على اعتبار أنّها تمثّل بداية اليوم !! عموما احتفظت برأيى لنفسى وإن كنت شعرت بضيق بل و بغيظ شديد ففرصتى فى الذهاب مهدّده بسبب ألم قدمى. خرجت من العنبر للوضوء لصلاة الفجر فكان أوّل ما شاهدته رجلا يحنى رأسه ليقوم آخر بحلقها له على طريقة جى آى جين على أنّى هذه المرّه لم أتذكّرها لكنّى وجدت صورة الخروف خلال جز صوفه تقفز إلى ذهنى !! أفكار غريبه جدا .. الأمور تسير بشكل جيد عموما و حيث أن هذا
هو أوّل أيّام العيد أتّصل بأمّى فى السابعه و النصف ثم أتذكّر فرق التوقيت الذى يجعل الساعه فى مصر لاتزال السادسه و النصف. أتخيّل العيد فى مصر و أسأل نفسى لماذا لا يصلّى الحجّاج صلاة العيد !! أتناول الإفطار بحماس -كالمعتاد- ثم ألتقى بخالى الذى يقترح أن نذهب لرمى الجمرات. أحاول إقناعه بالانتظار لبعد صلاة العصر لكنّه يصرّ. قرّرت الذهاب معه و ليكن ما يكون. بدأنا السير مع جموع السائرين .. كان زملائى قد نصحونى خلال معسكر الإعداد بالذهاب عبر الكوبرى بدلا من النفق على اعتبار أن الأوّل أكثر أمنا لكن لسبب ما وجدنا الطريق الوحيد المتاح يذهب بنا إلى النفق. كنت أشعر بتوتر شديد رغم أن الزحام لم يكن شديدا. مررنا بلافته مكتوب عليها
"الجمره الصغرى" لكنّى لم أجد شيئا يشير لها و توقّعت أن تكون اللافته مجرّد إشاره للطريق إليها !! و تكرّر الأمر مع الجمره الوسطى. التفت فجأه للبحث عن خالى الذى تأخّر بضع خطوات خلفى فراعنى منظر القادمين من الخلف حتى أنّى لم أكرر الالتفات مرّه أخرى. وصلنا للافتة الجمره الكبرى فى وقت أسرع كثيرا ممّا توقّعته و لم أر أى شئ بعد !! أين هى إذن !!على بعد أمتار بدأت الرؤيا تتّضح مع مشهد أذرع عديده ترتفع و تتحرّك بسرعه شديده حتى أن الصوت يجعلك تخشى الاقتراب!! ربّما يكون سبب عدم تعرّفى على شكل أو موقع رمى الجمرات أنّى كلّما شاهدته فى التليفزيون يبدو أنّى كنت أشاهده من فوق الكوبرى وليس من داخل النفق !! حتى الآن أظن أن أكثر مواقف الحج تأثيرا فى النفس هو موقف رمى الجمرات هذا .. و أشعر بسعاده شديده جدّا أنّى ذهبت .. كان صوت الحصى الذى ينهال على الحائط أمامنا يشبه صوت طلقات الرصاص أو ربّما قطرات مطر ثقيله لا يفصل بينها فاصل .. الصيحات متعاليه و الحماس شديد فى الضرب .. بدأنا نتقدّم ببطء .. كلّما اقتربنا كلّما شعرت أننا لازلنا بعيدين عن مرمى الهدف فنقترب أكثر و إن كنت وقتها خفت جدّا بسبب تزايد الزحام. وصلنا لنقطه رفض خالى بعدها أن نقترب أى خطوه و أصرّ أن نلقى من هذا المكان. اضطررت للقفز مع كل رميه فى محاوله لتوصيل الجمرات لمكان صحيح .. أعترف أن الأمر وقتها بدا مسليّا للغايه و إن كنت أشعر أن الأمر بالنسبه لمن حولى لم يحمل نفس الشعور بل كان يحمل قدر أكبر من التحفّز و الشدّه .. أنهينا الرمى و خرجنا من مجال الجمره الكبرى .. وجدتنى بعد خروجنا أبكى بانفعال لا أدرى سببه .. هنا و ليس فى يوم عرفه تمثّلت يوم القيامه .. شاهدت أحدهم يصوّر الموقف و أيّدته فى نفسى أنّه الأكثر استحقاقا للتصوير و إن كنت لا أظنّنى سأجد فى نفسى ذات يوم الشجاعه للوقف بهذا الثبات لتصويره !!

فى طريق العوده كنت أشعر بسعاده شديده؛ هذه شعيره هامّه من شعائر الحج و كنت أكره أن تفوتنى. لولا الجبن لفكّرت فى الذهاب فى اليوم التالى فى وقت الزوال لحضور رمى الجمرات فى وقت أقرب ما يكون للسنّه .. فكّرت فى تقافزى خلال رمى الجمرات و عزوت النشوه التى شعرت بها خلال القفز إلى أنّها مجرّد ترجمه أو رد فعل للخوف الذى شعرت به قبل الرمى بلحظات .. الخوف من مشهد الواقفين لرمى الجمرات قبل اندماجى بهم ..

**********************

أصبح شيئا مألوفا أن تتطوّع زميلات السكن على اختلاف أعمارهن لخدمة الأخريات بودّ و حب حقيقيين. تلقّيت أدويه كثيره فى محاوله لمعاونتى على الشفاء غير دعوات مخلصه عديده تتمنّى لى الشفاء بعد أن صرت بالفعل غير قادره على المشى سوى مرّات محدوده خلال اليوم للصلاه. بدأت أعتبر تجربة الحج بشكل عام تجربه تتيح للإنسان الاحتكاك الصحّى بالمحيطين به و تدريب نفسه على ترقية طريقة تعامله معهم و ليس مجرّد أداء مناسك؛ أو ربّما أنا التى أريد أن أنظر للتجربه بشكل مختلف. استفدت كذلك من قدرتى على الانفصال عن المحيط حين كانت النقاشات تدور حول أمور خلافيه فى المناسك. كنت أتساءل بينى و بين نفسى لماذا يصرّ البعض إن وجد غيره وثد أدّى المناسك بصوره مغايره على تخطئته و الإصرار على أن ما فعله هو كان عين الصواب !! هل يمنح هذا الموقف شعورا ما بالأمان؟ اليوم أدّيت صلاة الظهر و العصر جمع و تقصير وهو ما ثبت لى خطؤه مع نهاية اليوم .. مفيش مشاكل. كنت أستغرب كذلك حين يسأل البعض أحد الشيوخ عن أمر ما و حين يفتى الشيخ بما لا يتّفق مع معلوماته يصرّ على موقفه فلم كان السؤال من البدايه !!

فى أحيان كثيره أشعر أن الله يقف معى و يسهّل لى كثيرا من الأمور التى كنت أستصعبها .. و أقول لنفسى أحيانا ربّما يكون هذا مرتبطا بفكرة إرادة السعاده و الاستمتاع؛ أى حين يصحّ عزمك على الاستمتاع بالوقت مهما كانت المنغّصات فسوف تحصل على ما تريد. تكرّر اليوم على مسامعى الحديث حول الاستكانه التى يبديها البعض حول ما تقدّمه شركة السياحه من خدمات و عدم الاعتراض عليه مع تباهى البعض بأنّه المعترض الأوحد !! ربّما لو كنّا فى رحلة أخرى لكنت من المعارضين إذ أنّها تبدو سنّة حياتى لكنّى هنا أشعر بحاله من الاستسلام اللطيف وصفها المطرب الشعبى "عادل الفار" بقوله "سيب نفسك خالص" ولا أرى أى بأس فى هذا !! أعود دائما للتساؤل حول علاقة الفرد بالجماعه حين أرى زميله وقد فصلت الفيشه الخاصه بالثلاّجه أو غلاّية الشاى التى يستفيد منها الجميع كى تشحن الموبيل الخاص بها !! موقف أراه بحاجه لقدر محترم من البجاحه النفسيه أو هو خلل شديد فى فكرة مصلحة الفرد و مصلحة الجماعه !! بالأمس فى "عرفات" بعد وجبة الإفطار تراكمت العلب الفارغه أمام كل سيده بعد الفراغ من تناول الطعام و يبدو أن البعض تصوّر أن معجزه سماويه ستجعل هذه العلب تسير من تلقاء نفسها إلى خارج الغرفه إكراما لكوننا حجّاج !! وبرغم توافر كراتين كبيره خاويه بعدد كبير بعد إفراغها من محتوياتها لم يفكر أحد فى استغلالها لتجميع القمامه و تراكمت الفوارغ فى كل مكان لتؤكّد عدم دقّة الزعم بضيق المكان الذى اتّسع لنا و
لقمامتنا بهذا الشكل اللطيف !! بعد امتلاء الكرتونه الأولى بالقمامه بدا واضحا أن الفكره لم يتم استيعابها بشكل جيّد إذ بدلا من تكرار استخدام كرتونه جديده ظلّت القمامه تتراكم حول الكرتونه الأولى التى امتلأت عن آخرها و صارت تشبه كثيرا صناديق القمامه بشوارع مصر التى تبظّ منها الزباله بظّا !! وبعد أن كنت أقول لتذهب القمامه للجحيم صرت أقول فلتظل القمامه فى مكانها و ليخسأ الخاسئون.

أوقات عريضه

الساعة الآن العاشره إلاّ الربع مساء. شعرت فجأه بالرغبه فى النوم و قرّرت الاستجابه لها. يبدو عدد الساعات التى أحتاجها للنوم هنا أقل كثيرا ممّا أحتاجه فى مصر !! تبدو طريقة العيش التى أهّل الله أجسادنا لها و ربطها بمواقيت الصلاه هى الأفضل بصوره مدهشه فى ظل ندرة الالتزام بها. فالاستيقاظ فجرا يبدو سهلا و طبيعيا و البقاء بقدر عال من الانتباه حتى وقت العصر يبدو ممكنا للغايه و الاكتفاء بساعات نوم أقل عادى و الأوقات عريضه أى تتّسع بوفره للعديد من الأنشطه !! أتساءل فى ضيق كيف يمكننى التمسّك بهذا النظام بعد العوده لمصر !! يبدو المناخ بالكامل غير مشجّع و إن كنت أعد نفسى بمحاولة الاستمرار. أروح أنام بقى.

ملاحظه إضافيه قبل النوم:

يتعجّل كثيرون الذهاب لأداء طواف الإفاضه اليوم رغم اتّساع الوقت بعد انتهاء أيّام التشريق خاصة و نحن غير متعجّلين !! يبدو الأمر غريبا بالنسبة لى إذ أن الطواف لا يضيف للمتحلّل من الإحرام أى حق سوى الحق فى المعاشره الزوجيه التى لا أظنّها محل نقاش فى الظروف التى نحياها !! البعض يعزو هذا للهدوء و الفضاء النسبى الذى تتمتع به الكعبه فى هذه الايام لكنّى أحيانا أشعر أن الأمر متعلّق بالرغبه فى التحرر من أى قيود يفرضها الحج على الحجيج كالابتعاد عن الجدل .. خلال الرحله سمعت تعليقات حول كوننا محرمين ومن ثمّ غير قادرين على ردّ الصاع صاعين لمن نتجادل معهم !! وكأن الفكره هى فى الالتزام بسلوك ما خلال الحج ثمّ التحرّر منه قبل حتى
العوده للوطن و بمجرّد التحلّل الأكبر من الإحرام !! تصبحوا على خير.

Tuesday, January 01, 2008

الرحله - 3

13/12/2007 .. مناقشه

دخلت اليوم فى نقاش لم أستطع الخروج منه بفكره واضحه أو موقف محدّد. كنّا فى انتظار الدخول للروضه الشريفه وهى عمليه مرهقه بعض الشئ خاصة بالنسبه لكبار السن؛ إذ تتضمّن التحرّك فى مجموعات داخل المسجد متّجهين للروضه وكلّما وصلت المجموعه لنقطه ما يطلب منها الجلوس انتظارا لبعض الوقت ثم العوده للتحرّك لموقع أقرب و هكذا حتى نصل للروضه. كنت قد حصلت على قدر جيّد من النوم خلال اليوم لرغبتى فى دخول الروضه ليلا. زميلاتى بالغرفه فضّلن قضاء وقت طويل بالمسجد خلال النهار (بدأ من صلاة العصر بينما بداية دخول الروضه يبدأ من التاسعه مساء) و نتيجه لهذا كنّ فى غاية الارهاق مع حلول التاسعه مساء بينما كنت أنا فى حاله من الانتعاش و الاسترخاء أظنّها كانت مستفزّه بعض الشئ. كنت أنظر للأمر ببعض الواقعيه و ضحّيت بحضور إحدى الصلوات بالمسجد كى يتيسّر لى دخول الروضه مساء إذ لا يعقل أن يقضى البعض جزءا من النهار فى التسوّق ثم حضور الخمس صلوات فى المسجد ثم الانتظار لما لا يقل عن ثلاث ساعات بعدها لدخول الروضه !! شئ ما يجب التضحيه به لكن منطقى لا يلقى آذانا صاغيه .. لا بأس

خلال انتظارنا لدخول الروضه مارست السيدات المصريات الاعتراض على كل شئ ربّما بسبب شعور مضحك بتميّز ما للمصريين يمنحهم حق دخول الروضه فى أوّل فوج كل يوم !! و الحقيقه أن هذا الحق منح لنا بالفعل أكثر من مرّه ودخلت المجموعه المصريه الروضه فى وقت مبكّر جدّا عن غيرها من المجموعات. الأمر كذلك لم يسلم من محاولة ممارسة الفهلوه حتى على بعد أمتار من الروضه دون سبب
واضح اللهم الا الاحساس بالافضليه عن أولئك المنتظرين فى الدور !! مجموعات عديده لا تثير نفس الشغب و الضوضاء الذى تثيره المجموعه المصريه و أعتقد أن الفتيات السعوديات اللاّتى ينظّمن الدخول قد تكوّنت لديهن فكره أو طريقه ما للتعامل مع المجموعه المصريه بشكل خاص و إن كانت المعامله فى غاية الصبر و الاحترام. خلال الانتظار سمعت بعض الاعتراضات على نظام الدخول للروضه و كيف يؤثر سلبا على كبار السن ممن لا يحتملن الوقوف و الجلوس عدّة مرّات!! وكان تعليقى أن دخول الروضه ليس جزءا من الحج .. بل ولا حتى زيارة المسجد النبوى أو المدينه المنوّره بالكامل و على من لا تطيق ألاّ تحمّل نفسها فوق طاقتها !! شعرت بالذهول من نفسى و أنا أسمع هذه الكلمات التى أرددها بل كدت أشعر بالاشمئزاز من طريقة حديثى !! لكنّى كنت على قناعه تامّه بما قلته و هو ما أشعر به حتى كتابة هذه السطور !! كان من ضمن ما ذكرته كذلك حين رأيت نظرات مستغربه على وجوه الفتيات المصريات اللاتى أبدين تعاطفا مع السيدات المصريات -استغرابا من موقفى على طريقة انتى معانا ولاّ مع السعوديات- أن الحج هو جهاد المرأه و الجهاد لا ينبغى أن يكون سهلا !!

دخلنا الروضه بعد مرور ثلاث ساعات و عدت للفندق و أنا أظن زميلات الفندق قد عدن إليه بعد أداء الصلاه لكنّى وجدتهن و قد تعبن من الانتظار و انصرفن من المسجد قبيل دخولنا الروضه بدقائق بسبب طول التعب الذى حلّ بهنّ !! لم يكن الموقف يحتمل قول من نوعية "مش قلت لكم" لأنّى أعلم أنّهن لن يقبلن رأيى بالتضحيه بشئ مقابل شئ آخر. حوار صريح و صادم كالذى دار فى الروضه حول كبار السن بشكل عام لم يكن ممكنا كذلك حتى لا أتسبب فى مضايقتهن لكنّى طرحت تساؤلا يحمل اقتراحا بحمل كرسى خفيف للجلوس عليه خلال الانتظار لدخول الروضه خاصة و هو متوفّر بسعر بسيط فكان الرد الذى صعقنى هو : هو احنا لسّه هنشيل و نحط !! هذا برغم أن "الشيل و الحط" يجرى على قدم و ساق حين يتعلّق الأمر بالتسوق و شراء الهدايا !! لم أعقّب على هذه الجمله الأخيره و إن كنت اضطررت للرد على جمله غاضبه منفعله تذكّرنى بأنّى لازلت فى سن الشباب فى صيغة لوم غير مفهومه أن والدتى حين أدّت فريضة الحج منذ عامين اكتفت بالصلاه فى المسجد ولم تحاول دخول الروضه الشريفه.

لازلت أشعر أن منطقى يفتقر لشئ ما رغم اقتناعى به .. أنا لا أتعامل مع كبار السن بقلّة احترام ولا أظننى أفتقر للتعاطف معهم كذلك لكنّى فقط أستغرب ألاّ يتقبّل الانسان حقائق الحياه و ما تفرضه ظروف العمر من تراجع فى الصحه و القدره على الاحتمال فهذه سنّه من سنن الحياه و كأس سنشرب منه جميعا يوما ما.
اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والهرم والبخل، وأعوذ بك من عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات
بيان

قضيت الفتره بين صلاتى المغرب و العشاء فى تدوين بعض الخواطر عن الرحله؛ بالصف الأمامى فتاه صغيره تحمل طفله رضيعه خلال أداء أمّها لصلاة المغرب. بعد أن انتهت الصلاه بدأت الكتابه فنظرت الفتاه إلىّ بفضول ثمّ ابتعدت. عادت بعد قليل لتفحّص ما أكتبه فسألتها عن اسمها فقالت : بيان. ظننت أنّى لم أسمع الاسم جيدا لكنّى لم أعلّق. جلست لقراءة القرآن فأتت الفتاه و أزاحت حقيبتى من جوارى
لتجلس مكانها !! سألتها مرّه أخرى عن اسمها فكرّرت الإجابه : بيان. سألتها عن بلدها فأجابت : "سوريا" ثم كان دورها فى السؤال : مصريه؟ ابتسمت فى سرّى لدقّة التصويب رغم حداثة عمرها خاصة و قد سئلت من قبل عمّا إذا كنت فلسطينيه أو هنديه ممّن هم أكبر منها عمرا !! سألتنى عمّا إذا كنت ذاهبة إلى الحج فقلت نعم فسألتنى عمّا إذا كنت سأغطّى وجهى -والدتها منتقبه- فأجبتها أن المرأه تكشف وجهها خلال أداء المناسك. "بيان" أيضا كانت ذاهبه للحج ؛ تركتنى لتلهو بالجوار وحين رأتنى أسحب النوته لمعاودة الكتابه عادت للجلوس بجانبى و جذبت النوته بلطف وهى تقول :

- بدّى أكتب شيّ

ابتسمت للكنه الجميله التى تتحدّث بها وفتحت لها صفحتين متقابلتين لتكتب ما تريد. لا أدرى لماذا يشكّل الورق و الأقلام مصدر جذب شديد للأطفال خاصة إذا كان الظرف بعيدا عن الدراسه.

كتبت "بيان":

- أنا بيان حلوه

ثمّ التفتت إلىّ و سألتنى عن اسمى وبعد أن عرفته فكّرت قليلا ثم قالت:

- سأطلق عليك اسم "فاطمه"

ابتسمت و قد عرفت أنّها لم تعرف كيف يكتب اسمى فاختارت لى اسما تعرف كيف تكتبه :) كتبت "بيان" بعد ذلك اسم اختها ولاحظت أنّها تقوم بتشكيل ما تكتبه قدر المستطاع. اقترحت "بيان" بعدها اسما جديدا لى هو "روان" !! ابتسمت و أنا أسألها ما إذا كانت "فاطمه" و "روان" هى أسماء أصدقاء لها و أنّها اختارتها لى لأنّها لم تعرف كيف يكتب اسمى؟ اندهشت من معرفتى بهذه الأسرار و سألتنى
كيف عرفت !! اقترحت "بيان" اسما ثالثا لى هو "سميره" وكان هذه المرّه لمعلّمتها. أعفيتها من العناء و كتبت لها اسمى كى تعرف كيف يكتب.

كان اعتذار "بيان" عن اخطائها الاملائيه لطيفا جدا هى تقول "معذره" و تخرج لسانها فى نطق حرف الذال !! ثم طلبت منّى -غالبا على عادة الأطفال المتفوقين دراسيا- كتابة كلمه صعبه لتحاول قراءتها ولا أدرى لماذا وجدتنى أكتب كلمة "بسبوسه" !! وبرغم كتابتى لها بحروف كبيره واضحه لم تستطع "بيان" التعرف على الكلمه. كتبت "بيان" اسمى أخيرا و منحتنى وصف جميله !! الله يجبر بخاطرك الحقيقه أنّها هى التى كانت جميله و لطيفه جدا !! غريب جدّا أن يطلق الأطفال الصفات و المناقب بهذا السخاء .. غادرت "بيان" المسجد بعد صلاة العشاء مباشرة دون أن يتّسع الوقت لتأخذ الورقه التى كتبتها فى النوته كما أرادت بعد أن نصحتها أمّها أن تتركها لى تذكارا !! تبادلنا السلام و تمنّيت لها حجّا مبرورا و أنا أشكرها فى سرّى لكونها تمثل ختاما لطيفا لزيارتى للمسجد فى ليلتنا الأخيره بالمدينه.

إحرام إحرام

فى ليلتنا الأخيره بالمدينه كان علينا أن نحرم استعدادا للذهاب لمكّه فى اليوم التالى. قضينا وقتا عصيبا فى حزم الحقائب التى لن نراها سوى بعد انقضاء ايام العيد التى سنقضيها جميعا فى "منى" و إعداد حقيبه صغيره يفترض أن تحمل فيها كل احتياجاتك الدنيويه لمدّة أربعة أيام. بعد أن تحرم عليك أن تحرص على عدم سقوط شعرك و النصيحه التى تتبادلها النساء بهذا الشأن هى جمع الشعر كلّه فى عقده واحده بعد الاغتسال. لا أدرى لماذا و أنا أجمع شعرى بينما أفكّر أن الرجال يقصّون شعرهم أو يحلقونه تماما عند التحلّل أن اختلطت صورتى التى أراها بالمرآه بصورة رجل يمسك بماكينه ليحلق شعره على الزيرو أن تذكّرت ذلك المشهد الشهير ل "ديمى مور" فى فيلم "جى آى جين" وهى تحلق شعر رأسها تماما !! ربّما لأنّه مشهد يجمع بين أمرين وجدتهما متناقضين فى هذه اللحظه إذ أنّها امرأه لكنّها تحلق شعرها على الزيرو !! لم أشاهد الفيلم لكن إعلانه الذى ركّز كثيرا على هذه اللقطه كان يذاع كثيرا على إحدى القنوات قبيل السفر !! تساءلت بانزعاج عن مدى تأثير هذه الخواطر البلهاء على صحّة المناسك التى سأقوم بها !!

لم أنم بسهوله فى هذه الليله. أشعر بتوتّر شديد مع اقتراب بدء أدائنا لمناسك الحج. أشعر كذلك بالانفعال لقرب رؤيتى للكعبه للمرّه الأولى؛ أشعر كأنّى بسبيلى لأن ألقى الله .. برغم أن الله موجود فى كل مكان و زمان إلاّ أن إحساسى بالذهاب لبيته العتيق يجعلنى أشعر أنّه لقاء به يختلف عن كل لقاء. سأرى الكعبه التى رأيتها مئات المرّات .. سأراها هذه المرّه رأى العين و أطوف بها كما فعل ملايين قبلى و سيفعل
ملايين بعدى. لا أكاد أصدّق أن هذه الأمنيه التى كدت أيأس من تحقّقها سوف تتحقق فعلا غدا !! أحاول تصوّر موقفى حين أراها فأرانى و قد انتابنى صمت تام و نسيت كل ما نويت أن أقوله أو أدعو به.
وداعا أيتها المدينه الجميله
7 ذى الحجّه 1428

هذا هو يومنا الأخير بالمدينه ؛ يبدو المسجد اليوم أقل زحاما بكثير عن ذى قبل. وبعد أن كان صعبا أن تجد مكانا بداخله بعد انطلاق الأذان أصبحت الصفوف تشكو من فجواتها !! لازلت لا أشعر بأى ندم لعدم وجود فرصه لتصوير المسجد من الداخل و حتى من الخارج. أترك نفسى أتأمّل عمارته من الداخل و أجدنى أتساءل عن موقع الإمام و أين يقف فى المسجد ذى المآذن العديده !! أتساءل أحيانا عن الصف
الأوّل خلف الإمام الذى بشّر الوقوف به بالبراءة من النفاق !! أى صف هو يا ترى !! أبالداخل أم بالخارج ومن هؤلاء الأبطال الذين يمكنهم اللحاق بهذا الصف فى هذا المسجد الذى يتوجّه إليه الألوف كل ساعه من ساعات النهار !!

كما كانت صلاتنا الاولى بالمسجد النبوى هى صلاة الفجر كانت صلاتنا الاخيره كذلك؛ أشعر بالامتنان لكونها كذلك. اختار الإمام سورة "الرحمن" لقراءتها فى ركعتىّ الصلاه و راقنى كثيرا هذا الاختيار. أطلق عينىّ فى الأعمده الممتدّه على مرمى البصر و أستبعد أن تكون لى زياره أخرى للمكان .. لا أدرى لماذا؛ و أعاود التفكير فى موقع الإمام و المنبر و أين يقع الصف الأوّل خلفه !!
أشعر بالامتنان لهذه المدينه التى عرفت فيها لأوّل مرّه كيف يمكن أن تكون العباده وحدها دون أهل أو أصدقاء كافيه جدّا لملء الحياه !! لم أحظ من قبل بفرصه للاعتكاف ولم أتصوّر فكرة تخصيص فسحه من الوقت بكاملها للعباده. هنا شاركت للمرّه الأولى فى حياتى بصلاة الجنازه بل كنت أنتظرها بحماس عقب كل صلاه !! ضوء النهار الشاحب يغمر المكان حوالىّ السابعه صباحا و نسمه بارده منعشه تلفح وجهى مع مغادرتى للمسجد النورانى ..

ملاحظه : بعد انتهاء الرحله اكتشفت أنّى من هذا الفريق الذى يفضّل "المدينه" بجوّها العام الذى يتّسم بالوداعه و الهدوء عن "مكّه" التى فوجئت بها صاخبه مزدحمه .. أو هكذا شعرت.. ربّما لأن صحّتى كذلك كانت أفضل كثيرا فى "المدينه" ممّا مكنّنى من أداء العبادات فيها بشكل أفضل كثيرا ممّا قمت به فى "مكّه"

الرحله - 2

فى المدينه
أيّامنا الأولى بالمدينه كانت أيّام استكشاف؛ استكشاف للمكان و لبعضنا البعض. أعنى أنا و شريكاتى فى الغرفه إذ كنّا أربعه. سافرت من قبل مع زميلات فى العمل و شاركت الغرفه مع سيّدات لم أتعرّف عليهن من قبل سوى فى الرحلة ذاتها و تكوّن لدىّ انطباع بعدم جدوى التشارك فى أى أنشطه تقع خارج حيّز الغرفه؛ فالتشارك فى غرفة السكن لا يعنى بالضروره التشارك فى التحرّك و الانتقال و إن كنت أعلم أن هذه الفكره قد لا تتوفّر لشركاء السكن ربّما لأن تجاربهم فى هذا الصدد أكثر إيجابيه من تجاربى فيه. كونى الأصغر سنّا فيما يبدو ترك لدى البعض انطباعا بوجوب تقبّلى لدور الابنه البارّه المطيعه على اعتبار أن للكبار السن فى مجتمعنا -حتى مع بعض الاستثناءات- وضعيه خاصّه تحتّم احترامهم و احترام رغباتهم و إن كان يثير لدىّ تساؤلا دائما حول إلى أى مدى يجب أن يصل هذا الاحترام و المقابل الذى يفرضه كبر السن على من يتّصف به ؛ أعنى أن الحقوق التى يفرضها المجتمع لكبار السن يقابلها واجبات تفرض عليهم كذلك قد تتمثّل فى الاتصاف بقدر أكبر من الاتّزان و الرفق فى التعامل مع الأصغر سنّا لكن ما لمسته فى رحلاتى المتواضعه أن بعض كبار السن ينظرون للعلاقه بوصفها علاقه ذات اتجاه واحد ترتّب لهم حقوقا دون أن ترتّب عليهم أى التزامات أدبيه ..

بابل

كانت صلاتنا الأولى بالمسجد هى صلاة فجر الثلاثاء 11/12/2007. خرجنا من الفندق لا نعرف الطريق إلى المسجد على وجه التحديد لكنّنا نسير خلف السائرين. المآذن تتضّح بالتدريج كلّما اقتربنا و المسجد يبدو شديد البهاء فى هذا الوقت بعمارته و إضاءته البديعه. لم يكن صعبا حين وصلنا أن أتبيّن الطريق لمصلّى النساء إذ وجدت معظم النساء تنفصل فى طريق مغاير. برغم وجود ساحات متّسعه للصلاه خارج المسجد كان لدىّ إصرار على الصلاة داخله. دخلت المسجد الذى كان متّسعا بشكل واضح. يمكن أن يتّسع المكان لعدد أكبر لو اكتفت كل جالسه بما تحتاجه من مكان للجلوس و الوقوف للصلاه لكن سنّة التفسّح فى المجالس تبدو سنّه غائبه بعض الشئ أو للدقّه قد تكون بحاجه لبعض الإلحاح حتى يفسح لك الجالسون مكانا.

لسنوات كنت أسمع تحذيرات ممّن ذهبوا لأداء الحج و العمره من أفواج الأفارقه بسبب غلظتهم فى التعامل مع من يحتكّون بهم لكن مجلسى الأوّل فى المسجد النبوي جاء إلى جانب إفريقيه لطيفه رحّبت بجلوسى بجوارهاأندهش الآن من هذا التنميط الذى قمت به فالسيده "إفريقيه" و كفى !! و الناس تطلق آراء فى الأفارقه جميعا بجرّة قلم !! فى الحقيقه إن جلوسى بجانب الإفريقيات تكرّر و فى كل مرّه كان الرأى الذى حملته معى من مصر يتبدد حتى صرت أتعمّد الذهاب لمكان جلوس مجموعات منهم و الجلوس بينهم. بعد انتتهاء إحدى هذه الصلوات تبادلت الجالسه بجوارى معى السلام و أهدتنى و جارتى بعض الحلوى دون تبادل أى شئ سوى الابتسام !!

الوقوف بجانب فتاه إيرانيه كان تجربه لطيفه برغم فشلى فى معرفة ما تتلوه من كلام خلال الصلاه و فقدانى التركيز خلال الصلاه أكثر من مره بسبب محاولتى الاصغاء لها !! فى المسجد النبوى هناك بعد كل صلاه تقريبا صلاه على الاموات .. كان لطيفا جدّا ذلك اليوم بعد أن أنهينا إحدى تلك الصلوات وكانت إلى جانبى سيده باكستانيه يبدو أنّها كانت تؤدى الصلاه بصوره خاطئه. جاءت من الصف الخلفى سيده تتحدّث الفرنسيه لتشرح لها كيفية أداء الصلاه ولا أدرى لماذا بعد أن أنهت الشرح بالحركات و الأمثله التوضيحيه أن طلبت منّى القيام بالترجمه و إعادة الشرح !! ولا أعلم هل الابتسامه التى بدت على وجه السيده الباكستانيه خلال محاولتى الشرح بالانجليزيه تعنى أنّها تفهم ما أقول أم أن المحاوله فى حد ذاتها تثير الابتسام إذ أنّى أنا شخصيا أبتسم كلّما تذكّرت هذا الموقف و أتذكّر أسطورة بابل.

الصلاه فى المسجد النبوى كانت تجربه ثريه للغايه إذ تشعرك أنّك كمسلم مواطن كونى؛ تقف للصلاه بين ألوف يتحدّثون بألسنه مختلفه و تجمعهم الآيات التى يتلونها و الأدعيه التى يرددونها.

15/12/2007 .. بعد مرور حوالىّ أربعة أيام فى "المدينه"

أجلس قريبا جدّا من أحد مداخل المسجد لأستمتع بتيار الهواء البارد ليعادل بعض مشاعرالضيق داخلى. يتسرّب الهواء و يملأ الجلباب الذى أرتديه ليصبح كالبالون؛ أنظر للجلباب المنتفخ و أفكر أن لقب "ست الحاجّه" أصبح يلائمنى فعلا :) أسحب النوته و أكتب السطور التاليه:

حدث بعض الخلل فى برنامج الرحله بسبب اعلان "السعوديه" بداية غير متوقّعه لشهر "ذى الحجّه"كان يفترض أن نذهب لزيارة بعض معالم المدينه ذات الأهميّه الدينيه قبل مغادرتنا المدينه بيومين. هذا يعطينا فرصه لقضاء وقت أطول بالمسجد النبوى فى يومنا الأخير بالمدينه. تغيّرت الخطّه و صارت زيارتنا لمعالم المدينه هى فى اليوم السابق على السفر مباشرة.

كيف يوازن المرء بين ما تفرضه عليه الجماعه من واجبات و ما تحققه له من مصالح؟ وكيف يوازن بين رغبته فى التحرر من قيودها و الانطلاق بعيدا عنها دون افتقاد ما توفره له الصحبه من أنس و تواصل؟أعيانى التفكير فى هذا السؤال منذ فجر اليوم؛ كنت قد قررت فى المساء السابق أنّى سأذهب اليوم و ليس غدا للمزارات حتى أخصص اليوم الأخير بالمدينه للصلاة فى المسجد. عرضت الأمر على استحياء على زميلاتى بالغرفه فووجه العرض بمزيج من الاعتراض / الوجوم / الصمت.

خرجت لصلاة الفجر وحيده و إن كنت لاحظت علامات تبرّم على بعض الأوجه لعدم انتظارى كى ينتهى الجميع من الاستعداد للخروج للصلاه و الذى يشهد قدرا لا بأس به من الرحرحه و راحة البال لا أحتملهما خلال أى رحله. كنت أعرف أن هذا التصرّف يترجم بصورة انفصال غير مقبول عن الجماعه و إن كان هذا هو ما ارتحت إليه .. سألت نفسى بالطريق لماذا لا تستريح الجماعه لانفصال أحد أفرادها عنها لتحقيق ما يريد إذا كان هذا لا يتعارض مع تحقيقها هى لما تريد. هل هو انعكاس للشعور بفشل محاولة فرض السيطره خاصة حين يأتى الانفصال ممّن هم أصغر فى العمر و من ثمّ الأكثر توقّعا للبقاء تحت مظلّة الجماعه !! كما قلت سابقا رغبتى فى الانفصال عن الجماعه الصغيره و الكبيره بدأت قبل هذه الرحله بوقت طويل. الرحلات القليله التى شاركت بها مع أفراد من خارج نطاق أسرتى علّمتنى أن الجماعه لا تتحرك بناء على رغبات أفرادها مجتمعين بل بناء على رغبة الأكثر جاذبيه و قدره على الإلحاح و تأثيرا فى الآخرين ؛ و قد تكون هذه صفات إيجابيه يجعلنى افتقادها أعتبرها صفات سلبيه. فالجماعه لا تحقق رغبات أعضائها بالعدل و التساوى بل تحقق رغبات البعض منهم و تمنح البعض الآخر فى المقابل الشعور بالأمان للانتماء إلى مجموعه؛ و يبدو أن قيمة هذا الشعور لدىّ راحت تتضاءل من رحلة لأخرى حتى صرت لا أجد ما يلزمنى بالانتماء لأى جماعه. الآن أفكّر أنّه ربّما يكون فشلى فى السيطره على الآخرين و فرض
رأيى و فكرى عليهم هو ما دفعنى حقّا لكتابة السطور السابقه وليس البحث عن العداله أو التفكير فى علاقة الفرد بالمجموع.

بدأت أشعر بمزيد من الارتياح فى الابتعاد و أصبحت أعزو هذا لميولى الانطوائيه التى لا أنكرها ولم أعد أعتبرها محرجه. يكفى أنّى لا أتطلّع لفرض رأيى على أحد ولا أضيق برغبة الغير فى الانطلاق بعيدا مادمت سأحصل على نفس الحق.

غادرت المسجد فى السابعه صباحا وفى طريق العوده للفندق شاهدت أتوبيس يصعد له البعض بعد شراء تذكره ما. بعد السؤال و التحرّى علمت بوجود موقف قريب لسيارات الأجره يمكن منه تأجير سياره بمفردى للذهاب لزيارة معالم المدينه. ارتعت من فكرة الذهاب بمفردى -خاصة ونحن فى السعوديه- و عدت لتذكير نفسى بمزايا التواجد فى مجموعه من البشر !! عدت للفندق و حصلت على إجابه أكثر إحباطا حول إمكانية الذهاب لزيارة المعالم اليوم. تناولت الإفطار و قررت الذهاب لموقف السيارات لأجرّب حظّى. وجدت بالموقف سيارات تتدافع مجموعات لركوبها يبدو من شكل أفرادها أنّهم أتراك. علمت أن السياره ذاهبه لزيارة معالم المدينه و لحقت آخر مقعد خالى بها و ركبت و أنا فى قمّة الانشكاح؛ أظن هذه هى الجماعه المنشوده التى تحقق لى الأمان بالتواجد معها دون أن ترغب فى فرض أى التزام فى المقابل

كانت اللغه التى تتحدّث بها المجموعه غير مألوفه على الإطلاق؛ الوجوه جميعها بيضاء مشرّبه بالحمره و الشعور شقراء و العيون ما بين زرقاء و خضراء وحتى الملابس تبدو متشابهه لحد كبير!! جرّبت الآن شعور التواجد فى جماعه تتحدّث لغه أكون وحدى -بالاضافه للسائق- التى لا تفهمها. حين أفكر بهذه الحقيقه الآن لا اعرف هل كان هذا فى صالح رغبتى فى الانزواء بعيدا عن تكلّف محاولات التعارف و التودّد أم أن بعض التواصل فى هذه المرحله كان ليكون لطيفا. على أن حاجز اللغه لم يقف عائقا بعد أن وجدت السيده الجالسه بجوارى تحاول الحديث معى دون أى قدره منّى على فهم ما تقول بعد استنتاجى أنّها لن تستطيع الحديث معى بالانجليزيه وعدم استيعابى لما تريد قوله بلغة الاشاره. التقطت من الجمل المتشابكه كلمة "طاجستان" فانتظرت حتى صمتت ثم ردّدت : طاجستان؟ فتعالت صيحات التهليل و التأييد ثم جاء دورى فقلت (إيجيبت - مصر) فلم أجد أى صدى .. ثم توالت جمل جديده سمعت خلالها كلمة (آراب) فقمت بهز رأسى أن نعم و انتهى "الحوار" عند هذا الحد.

زيارة مقابر شهداء "أحد" مع المجموعه الطاجيكيه كانت ودّيه و مسالمه. لم يتحذلق أى منهم محاولا الصعود لجبل "أحد" أو جبل الرماه و اكتفوا بقراءة الفاتحه فى خشوع و الاستماع لشرح أحد أفراد مجموعتهم لقصة المكان و أبطاله (هكذا فهمت يعنى). وعند العوده للميكروباص منحت قدرا كبيرا من البلح وحصلت على المزيد منه من السيده التى "حاورتنى" من قبل :) كدت أفقد المجموعه و ذهبت
بالفعل لركوب سياره أخرى تحمل مجموعه من نفس البلد لولا أن أشاروا لى أنّى لم آت معهم من البدايه. سألت نفسى لماذا فشلت فى التعرّف على ملامحهم بدقّه و خلطتهم مع غيرهم و لماذا عزوت هذا ببساطه مخلّه لتشابه أشكالهم و ملابسهم !! ولماذا نقوم بهذا التنميط دائما مع مجموعات بشريه عريضه كالأفارقه و الآسيويين مثلا !! ولماذا حتى سائق الميكروباص استطعت تمييزه فقط لارتدائه عقالا أسود خلافا لما يرتديه باقى السائقين و تمييزى له بشبهه بالشيخ "سلمان العوده" !! و إن كان هو قد تكفّل فى بعض الأحيان بالعثور علىّ قبل أن أتوه مع مجموعه أخرى !!

المهم أنّى بعد أن وجدت "مجموعتى" أقلّهم الميكروباص لمدينة الحجّاج استعدادا لأن يسافروا بالبر. تبادلت السلام بحراره مع نساء و فتيات المجموعه و أنا أشعر بسعاده شديده و ودّ حقيقى تجاههم !! أفكر فى طريق العوده للفندق فى هذا السلام النفسى الذى اشعر به مع مجموعه من البشر لم اتبادل معها كلمه واحده !! و أعود فأقول لنفسى ربّما كان هذا راجعا لأنّنا لم نقض معا وقت أطول.
استغرقت الزيارات بالكامل ساعتين فقط عوضا عن اليوم بالكامل كما كان يخطط مشرفو رحلتنا وكان هذا بالنسبة لى انجازا بكل المقاييس. عدت للفندق لأجد إحدى زميلاتى بالغرفه .. كانت قد اعترضت هذا الصباح على فكرة الذهاب بمفردنا لزيارة المعالم فلم أتبادل معها الحديث عمّا فعلته خلال الساعات الماضيه لكن حين عادت الزميلتان الأخريان و سئلت عن نشاطى خلال اليوم لم يكن هناك مفر من التصريح.

فوجئت بنظرات ممتعضه و عبارات من قبيل "مش كنّا رحنا مع بعض كلّنا" !! لم أعقّب على هذا الهراء و شعرت بالضيق من الشعور بالذنب الذى شعرت به !! عرضت عليهم القيام بحفلة شاى و نسكافيه للخروج من التوتر الذى ساد الجو فجأه و مرّ الموقف بسلام.

ملحق:

تذكّرت خلال كتابة هذه السطور ملاحظه كان قد أبداها خالى خلال ذكرى لبعض المواقف التى وقعت بينى و بين بعض زميلاتى فى الغرفه إذ قال إنّه يستغرب لماذا تكون صحبة الرجال أقل إثاره للمشاكل ولماذا لا يرغبون فى ممارسة هذه السيطره تجاه بعضهم البعض !! وكان ردّى بعد بعض التفكير أن النساء غالبا يكنّ قد مارسن دور الأمومه أو هو شعور غريزى موجود غالبا فيهنّ ومن ثمّ حين يجتمعن معا يبدأ التنافس على من يمارس الدور بضمير أقوى و الأمومه و الأبوّه غرائز بها قدر لا بأس به من ممارسة السيطره لكن لأن غريزة الأمومه أقوى فالمرأه تمارس السيطره بشكل أوضح و أعمق !! وبما أنّى فى موقف لا يوجد به من هو أصغر منّى ليس أمامى سوى دور المتلقّى و ربّما لو وجدت من هو أصغر منّى لمارست معه نفس التحكّمات من نفسى !!

الرحله - 1

اليوم أوّل أيّام العام 2008. انتهى عام 2007 بحدث قد لا يتكرر فى حياة الانسان هذا إن حدث أصلا وهو الحج. قبل الرحله لم يدر بخلدى أن ألتقط صورا للمكان تثبّت صوره معينه أو حدث ما فى ذاكرتى .. لكن خلالها وجدت الأحداث و الأفكار تدفعنى دفعا لكتابة بعض التعليقات على ما أشاهد -وكثير منه لا علاقه له بالحج فى حد ذاته- و على ما يطرأ بذهنى من أفكار و تساؤلات حتى فوجئت مع نهاية الرحله بانتهاء النوته الصغيره التى اصطحبتها معى فى الأساس لكتابة أسماء من حمّلونى أمانة الدعاء لهم أو لغيرهم.

رغم أن أفكارى حول الرحله بدأت قبلها بيوم لم أبدأ فى كتابة أى شئ فعلى سوى قرب انتهاء أيّامنا فى المدينه المنوّره بعد أن شعرت بعجز عقلى عن تخزين كل ما يطرأ عليه من أفكار .. لهذا فما أكتبه هنا لا يمكن وصفه باليوميات لأنّها أفكار غير مرتّبه و بعضها نتيجة تراكم أحداث وقعت فى أيام مختلفه .. كما أن بعض ما أكتبه ليس سوى ذكريات عاديه أحببت أن أحتفظ بها دون أن أعتقد أن لها قيمه فكريه خاصه مثلها مثل الصوره العائليه التى لا تحمل ما تحمله صورة منظر طبيعى من فن أو إبداع لكنّها تحمل قيمه خاصه لمن يظهروا بها ..

البدايه

كانت فكرة الحج فى ذهنى منذ فتره؛ قبل هذه الفتره لم يكن أداء فريضة الحج يدور بخلدى و كنت أستغرب لماذا يتلهّف كثيرون لأداء الفريضه و لماذا لا أشعر بنفس شعورهم !! حماسى لأداء الرحله بدأ يتكوّن خلال مشاهدتى السنويه لوقوف الحجّاج بعرفات !! لا أدرى لماذا لكنّى بدأت أشعر مع كل عام يتكرّر فيه المشهد برغبه قويه فى أداء هذا الركن لكن وجوب وجود محرم كان يقف عائقا أمام الفكره بسبب انشغال كل من يصلحون محارم لى بشئون أخرى أو عدم توفّر القدره على القيام بهذه الفريضه. لفتره من الوقت كان لدىّ يقين أنّى سأؤدّى فريضة الحج قريبا جدّا لكن مع مرور عامين أو ثلاثه دون تحقق هذا اليقين شعرت أنّه مجرّد وهم وبلغ هذا الشعور مداه العام الماضى حين توقّفت عن التفكير فى الأمر تماما و سلّمت بأنّ الدعوه للزياره لن تأتى على الأقل فى المدى القريب.

فى اجتماع عائلى كان الحديث يدور مع أحد أخوالى حول قرب خروجه من الخدمه و تفكيره فى القيام بالحج !! لم تكن فكرة الحج -حسبما أتذكّر- تدور فى ذهن خالى هذا بسبب مشاكل صحيّه لهذا حين أعلمته برغبتى فى الذهاب معه إن قرّر الذهاب بالفعل كنت أتوقّع أن يظل الأمر دائرا فى حيّز الأمنيّات. ومثل موضوع يبدأ بمزحة و ينتهى بحقيقه فوجئت به يبدأ فى الإجراءات بالفعل بعد أن تحمّس للموضوع مع وجود من سيصحبه وبعد أن كان يفكر فى القيام بالحج العام القادم بدأ السعى فى الاجراءات لنقوم به هذا العام !!

بالنسبة لى كنت أتوقّع أن شيئا ما سيحدث بسبب إجراءات إثبات صلة القرابه بيننا سيعطّل ذهابى معه خاصة و أنّى لم أستلم أوراق السفر الخاصه بى سوى قبل السفر بيوم لكن الغريب أن كل شئ سار بسلاسه شديده و كثير من الاجراءات انجزت فى وقت قياسى وذهبنا أخيرا للحصول على أوراقنا قبل السفر بيوم واحد!!

فى هذا اليوم نظّمت شركة السياحه ما يشبه الاحتفال لتسليم الحجّاج أوراقهم و شرح برنامج الرحله. فى هذا اليوم لمست أوّل مظاهر الاحتفاء الشديد الذى يكنّه المصريون للحج. إذ لم يذهب كل حاج بمفرده بل كان هناك ما يشبه المظاهره من أهل الحجّاج أتوا لاصطحابهم و الاستماع -وربّما الاستمتاع- لما سيقوم به ذويهم من مناسك .. كان لقب الحاج/الحاجه قد بدأ إطلاقه بالفعل !! ذكّرنى هذا بأيّام الدراسه فى الكليّه إذ حصلنا على لقب "باشمهندس/باشمهندسه" ونحن بعد فى السنه الإعداديه !! وقتها كنت أشعر بأن حصولنا على هذا اللقب ونحن لازلنا على نقطة البدايه أمرا مثيرا للسخريه خاصة حين يخاطبنا به أحد الأساتذه و إن كنت أعلم أنّهم لا يقصدون أى سخريه. كان بداخلى رغبه أن أطلب ممّن حولى عدم استخدام لقب "حاجّه" معى حتى بعد أن أعود ولازال هذا الشعور يراودنى. احتفاء المصريين الشديد
بالحج ومن يتسنّى له القيام به يتمثّل كذلك فى ذهاب ما يشبه المظاهره من الأهل و الأقارب إلى المطار مع الحاج و البعض يصطحب معه فرقه موسيقيه و البعض الآخر يحمل الأعلام البيضاء !! يتكرّر هذا طبعا مع العوده الميمونه من الحج :)

كانت طائرتنا مسافرة فجر اليوم التالى. يتملّكنى شعور بالرهبه لا أدرى له سببا ولكن يبدو أنّى كنت آخذ الموضوع بجديّه شديده؛ إذ قضيت الأيام السابقه فى القراءه حول ما يجوز ولا يجوز و فى الاستماع للدروس المختلفه حول ما ينبغى على الحاج القيام به قبل الرحله و خلالها وبعدها .. كنت قبل هذا أستمع لمصطلحات كثيره متعلّقه بالحج دون أن أفهم منها شيئا ربّما لأنّى وقتها لم أكن ذاهبة إليه فلم يكن الكلام يلقى
لدىّ صدى ولم أبذل جهدا لاستيضاحه. الآن الأمر يختلف كثيرا و صرت تقريبا أعى و أحفظ معانى تلك المصطلحات المرتبطه بالحج بل و يمكننى شرحها و الإفتاء بما يجوز أو لا يجوز :) كنت أنظر للحج باعتباره تجربه قد لا أستطيع خوضها مرّة أخرى وبالتالى ليس لدىّ مجال متّسع لتصحيح أى شئ. التقيت كذلك بكثير من الأصدقاء ممّن سبق لهم أداء الحج و استفدت كثيرا من نصائحهم التى كان على رأسها "لا تجادل يا أخ على" و التى أقرّ أنّا أفادتنى كثيرا

وقت طويل مرّ قبل أن نخرج من مطار "جدّه" و إن كانت المعامله الجيّده التى لقيناها من موظّفى المطار قد لفتت نظرى ربّما لأنّى كنت أتوقّع عكسها أو للدقّه كنت أتوقّع معامله محايده؛ أشعر بمزيد من الحرج مع لقب "حاجّه" الذى خلعه علىّ موظّفو المطار إذ لم نضع أى خطوه بعد فى هذا الاتّجاه !! رحله طويله و مرهقه من "جدّه" إلى "المدينه". حين توقّفنا بعدها فى إحدى استراحات "المدينه" لفت نظرى كثرة عدد "العصافير" التى تسقط من السماء ثمّ لا تظهر مرّه أخرى !! عصافير حجمها أصغر من الحجم المعتاد للعصافير !! ثمّ حين سقطت عصفوره على ظهرى و تشبّثبت بملابسى عرفت أنّها جراده وليست عصفوره بعد ثوان من الفزع فى محاوله للتخلّص منها !! الجراد منتشر بشدّه فى "المدينه" :( فى هذه الاستراحه التى توقّفنا بها بدأت الفتاوى التى كانت تدور وقتها حول هل ينبغى أن نصلّى العشاء قصرا و جمعا مع المغرب أم ننتظر حتى نصل للفندق بعد حوالىّ ساعه. لم أشارك فى الحديث و إن كنت لاحظت أن إحدى المتحدّثات تدلى برأيها بناء على سؤالها لزوجها ولم أفهم هل هو متبحّر فى العلوم الدينيه حتى يكون لرأيه هذه الحجيّه لديها ؟ إذ أن هناك شيخ يصاحبنا فى الرحله و يمكن لها بكل بساطه أن تسأله. لماذا أكتب هذه الملاحظه !! أكتبها لأنّى لاحظت طوال الرحله أن كثيرا من السيدات المشاركات بالرحله لديهن الاستعداد لأخذ أى رأى دينى من أى رجل بالرحله بينما لو أدليت لها بنفس الرأى من قبل لا تقتنع !! بل و لو عرضته عليها مكتوبا فى الكتب لا تقتنع حتى تسمعه من أحدهم !! ولا أدرى هل لهذا علاقه بالسن أم بالجنس أم بكليهما !!

كان أوّل ما لفت نظرى فى المحال و المرافق التى نمرّ عليها هو شيوع استخدام الأسماء العربيه و ندرة الأسماء الأجنبيه. تذكّرت وقتها مقالا كنت قد قرأته ل "خالد منتصر" حول ما أسماه "مؤامرة سعودة الوجدان المصرى" تناول فيها انتشار شرائط القرآن لمقرئين سعوديين بمصر مع بيعها بأسعار زهيده للغايه !! كنت وقت قراءتى لهذا المقال أجد فيه مبالغه مقيته و شعور متزايد بالذات المصريه !! إذ لماذا
نفخر نحن بشيوع ثقافتنا المصريه المحليه و معرفة الشعوب العربيه بلهجتنا و نستهجن أى محاولة انتشار مماثله من غيرنا خاصة إذا لم تكن مفروضه بمؤامره كما يتخيّل !! ما جعلنى أتذكّر هذا المقال و أنا أقرأ أسماء المحال العربيه فى "المدينه" هو عدم ضيق "خالد منتصر" بتراجع اللغه العربيه فى كافة مظاهر الحياه فى مصر ومنها أسماء المحال التجاريه و انتباهه فقط لظاهرة شرائط القرآن السعوديه !! إذ كيف ينزعج أحدهم من سماع القرآن بلهجه مغايره لما اعتاد عليه و بأسلوب مختلف ولا يتوقّف أمام ما قد يكون مؤامره حقيقيه لمحو لغتنا -وليس لهجتنا فقط- من وجداننا الثقافى !!

بدأت فى هذه الرحله أكوّن تصوّرا حول وجود "نسخه" من التديّن يمكن أن نسمّيها النسخه المصريه؛ انطلاقا أيضا من مقال "خالد منتصر" الذى وصف التديّن السعودى بوصف التديّن البدوى الجاف على عكس نظيره المصرى .. فى الحقيقه أنا أتّفق معه فى هذا و إن كنت لا أراه مبررا للافتخار. إذ نحن نميل حقّا لأن نضع بصمتنا فى كل شئ حتى فى الدين فنخترع ما لا يمت له بصله كالتمسّح بالأضرحه و
الموالد و التوسّل بغير الله و غيرها من مظاهر مميّزه جدّا للتديّن المصرى تجعله يستحق وصف التديّن "الملدّن" أو "المحبّش" فى مقابل التدين السعودى "الجاف".

ازددت يقينا من موضوع نسخة التديّن المصريه هذا مع قراءتى لكتابات مختلفه حول الحج. الإصدارات التى أنتجتها السعوديه تميل بشدّه لأن تكون أبسط ما يكون استنادا لما ثبت عن الرسول القيام به بينما نظيرتها المصريه تميل لإضافة الكثير و الكثير من الأمور التى و إن كانت جائزه إلاّ أنّها لم تثبت عن الرسول بل و تكاد تشكّل عبء على الحاج مثل اقتراح دعاء لكل شوط من أشواط السعى أو الطواف أو رؤية الحجر الأسود و غيرها .. التديّن المصرى كذلك يفترض أن أداء فريضة الحج يحسن أن يكون قبل نهاية العمر بقليل !! أى حين يتجاوز عمرك الخمسين أو الستين مثلا !! إذ أن التساؤل حول لماذا أقوم بالحج فى هذه السن الصغيره -التى لا أراها كذلك بأى حال من الأحوال- تكرّر كثيرا فى بداية الرحله و "اكتشاف" زميلات الرحله أنّى أصطحب خالى للقيام بالمناسك ولم أذهب معه للحفل لمجرّد الفسحه !! قد يكون تأجيل الفريضه لعمر متقدّم مرتبط لدى الكثيرين بالقدره الماديه و الانتهاء من أعباء الحياه ؛ لكن تساؤل البعض حول سبب قيامى بالرحله فى سن صغيره و نصيحتهم لى بأن "أحافظ عليها" على اعتبار أن الباقى من عمرى أطول من الباقى من أعمارهم جعلنى أتصوّر أن الموضوع لا يرتبط فقط بالقدره الماديّه بل بتصوّر استحسان تأجيل أداء الفريضه قبل الموت بوقت قصير ؛ الفوج المصرى يغلب فيه عدد كبار السن على عدد الشباب على عكس أفواج دول كثيره جدّا يكاد يشكّل الشباب الأغلبيه الواضحه فيها.