Thursday, January 03, 2008

الرحله - 6

الإفاضه

بدأت الطواف اليوم فى حوالىّ التاسعه و النصف صباحا. الزحام شديد ككل وقت. فى بعض الأماكن تجد حولك فسحه تسمح لك بالحركه المريحه و فى البعض الآخر تشعر بقرب خروج روحك اختناقا من الزحام. الطواف هذه المرّه أصعب من طواف القدوم بسبب صعوبة احتفاظى بتوازنى و يمكن السقوط بسهوله مع أى دفعه وما أكثرها لكن هنا تظهر فائدة الزحام الذى لا يترك لك كثيرا من الفراغ كى تسقط فيه !! احتملتنى قدمى حتى انتهاء الطواف ثم أعلنت العصيان؛ يبدو أنّها حاله نفسيه!! يدهشنى كثيرا فى الطواف أن يدفعك أحدهم أو يلكمك بكوعه فى جنبك و حين تنظر له/لها متعجّبا تجد آيات البراءه على وجهه/وجهها كأن لم يفعل شيئا!! موقف سيظل يثير استغرابى فيما يبدو. أقترب أحيانا من الكعبه ولا أفكّر فى المزيد من الاقتراب. أتشبّث كثيرا بنظرية التديّن الجاف إذ لا أرى أهمّيه للمس الكعبه أو الاقتراب منها. بالمصعد أمس سمعت إحداهن وهى تتفاخر بلمس الكعبه مرّتين و تباهى برائحة المسك التى علقت بيدها منها !! ما أعرفه أن لمس الحجر الأسود هو فقط ما يمثّل قيمه يمكن السعى لتحقيقها إذا كان ممكنا وما عدا ذلك لا أهميّه له !! البعض يتمسّح بالحجره الزجاجيه المحيط بمقام "ابراهيم" -اقتربت منه كثيرا اليوم- برغم أن تلك الحجره لا تمت لابراهيم أو عصره بأى صله !!

يا سبعى

كتبت الفقرتين السابقتين أثناء جلوسى بالشارع بين صلاتىّ المغرب و العشاء. الجو رائع جدّا و بديع و قد قرّرت الصلاه على الرصيف فى منتصف المسافه بين الفندق و الحرم. أرى خالى عائدا من الصلاه بالحرم دون أن يرانى هو فى مجلسى. أبتسم دون أن أناديه. إحدى زميلاتى بالغرفه تتصعّب من وقت لآخر على حالها مؤكّده أن لو كان معها زوجها لاختلف الوضع و أن الرحله "محتاجه راجل" !! لا أدرى ما الذى كان يمكن أن يقوم به زوجها لو تواجد معها وقد أخبرتنا سابقا أنّه أجرى عملية قلب مفتوح و سنّه متقدّمه!! ولا أدرى هل قيمة الرجل هى فيما يقدّمه من دعم جسدى فإن انتفى قيامه بهذا فقد قيمته !! غالب ظنّى أنّه لو تواجد زوجها معها ما كانت حمّلته أى مجهود و لاكتفت بوجوده بالجوار و ربّما كانت حملت حقائبه عنه !!:)
لكن اللافت للنظر أنّه مع قدوم النساء للحج -وهو جهاد المرأه- أن يتوقّعن من الرجال العون فى حمل الحقائب الثقيله جدا حتى و إن زادت عن المعقول !! فالحج شاق على الرجل أيضا ومن قبيل السذاجه تخيّل أنّه سيظل قادرا على تقديم العون للنساء معه بالرحله كما يحدث فى الظروف الحياتيه الطبيعيه. فزميلتنا هذه اشترت قدرا هائلا من الهدايا اضطرّها لشراء حقائب إضافيه و يبدو أنّها على معرفه بعيده بأحد الحجّاج معنا إلاّ أنّه كلّما رآها وهى تحمل حقائبها خلال الانتقال من مكان لآخر تجاهلها :) و تبدى هى استنكارها و تعجّبها من تنكّره لوصية من أوصته بها خيرا !! بينما كنت أرى موقفه عادى جدّا إذ لا يعقل أن تشترى ما تعجز هى و رجلان معها عن حمله ثم تشكو تجاهل البعض لها كما أن كل إنسان مشغول بهمّه ..

ولا الضالّين

يا الله .. صوت إمام الحرم المكّى رائع جدّا و بالغ العذوبه. حين تستمع منه لكلمة "ولا الضّالين" فى ختام سورة "الفاتحه" قد تشعر برغبه فى البكاء دون تكلّف أو افتعال. كنت أسعد بالصلوات الجهريه التى تتيح فرصة الاستماع لصوته وهو يتلو آيات القرآن و أرغب فى الاستزاده من الاستماع. صدمت اليوم حين رفع أذان المغرب صوت أجش يبدو أن صاحبه أصيب حديثا بالبرد لكن الحمد لله جاء الصوت الجميل ليؤمّ الصلاه و يسعدنا بقراءته. كنت فى المسجد النبوى أطرب جدّا لقراءة أئمّته الذين كانوا يتغيّرون تبعا لوقت الصلاه. لفت نظرى أن صوت أحدهم يشبه كثيرا صوت "الحذيفى" الذى يبدو مختلفا حين تسمعه حيّا و ليس من خلال تسجيلات؛ بعد أن غادرنا المدينه فوجئت بخالى يقول لى أن الحذيفى فعلا كان هو من يؤمّ الصلاه. نظرت إليه بذهول و تساءلت : هو الحذيفى لسّه عايش أصلا !!
المهم أن هذا الموضوع أعادنى مرّه أخرى للتفكير فيما قاله "خالد منتصر" حول قارئى القرآن السعوديين. فليسوا كلّهم ذوى أصوات رديئه لا فنّ فى قراءتها للقرآن كما أنّه ليس كل القرّاء المصريين من ذوى الأصوات الحسنه. هو غالبا استمع لقارئ أو اثنين من مشاهير القرّاء السعوديين و أطلق تعميما غير صائب.

تحديث من مصر:كنت قد علمت خلال وجودنا بمكّه أن الإمام اسمه "ماهر" و بعد العوده بحثت عن اسمه فى أحد المواقع التى تتيح الاستماع للقرآن بأصوات قرّاء مختلفين و وجدته بالفعل. أستمع كثيرا لسورة "الحج" بصوته و أندهش من عدد المرّات التى أستمع لها بصوته كل يوم !!

وحدة

منذ الأمس بدأ شعور غريب يرادونى وهو إنّى أريد أن أقرأ شيئا ما. خلال أيّام الرحله السابقه لم أقرأ سوى فى المصحف و كتب دينيه وزّعت علينا خلال وجودنا ب "منى"لم أكن وقتها أفكّر أو أرغب فى قراءة أى شئ آخر؛ قراءة القرآن سهله و يسيره ويكاد يكون أداء كل العبادات أسهل من أدائها حتى فى رمضان !! كنت قد سمعت أكثر من مرّه أنّه بعد فراغ الحاج من أداء المناسك يبدأ فى افتقاد حياته الدنيويه و التشوّق للعوده للوطن !! وقد بدأت فعلا أشعر بهذا الشعور بعد الفراغ من طواف الإفاضه و شعورى النسبى بالاطمئنان أنّى قد أدّيت كل المناسك؛ و اليوم أو الأمس أضيف لهذا الشعور شعور بالوحده و الرغبه فى قراءة شئ ما ليس له صفه دينيه. أشعر ببعض الفضول -دون حماس حقيقى- لمعرفة ما جرى فى مصر خلال الايام الماضيه فينتابنى شعور بتأنيب الضمير بسبب هذا الشعور و أقول لنفسى وما الفائده من معرفة أى من هذا !! و الحقيقه هى إنّى بدأت أشعر بالوقت يطول هنا و برغبه متزايده فى العوده للوطن.

نعمه

صرت أؤدّى نصف الصلوات بالمسجد و النصف الآخر بالشارع. أنتقى مكانا ثابتا لا يتغيّر و أجلس فيه لقراءة القرآن قبيل الصلاه حتى يحين وقتها. صرت مثل شيخ البلد كلّما جلست مرّت بى بعض الزميلات للاطمئنان على حالة قدمى. كنت أشعر بسعاده و امتنان شديدين لهذا الموقف. كنت أنظر فى أحيان كثيره لأرجل السائرين أمامى و أتعجّب من روعة أن يسير المرء على قدميه معا وكيف أن ألم بجزء بسيط من قدمه فقط وليس ساقه كلّها يمكن أن يمنعه من أن يمشى فى الأرض مرحا !! أنظر لكل زوجين من الأقدام تسيران على الأرض بثبات بينما أنا أقفز على قدم و نصف و أشعر بالضيق إذ أن حالة قدمى تتحسّن ببطء شديد و يبدو أنّها لن تبرأ تماما سوى مع العوده لمصر
المحروسه.

العشاء الأخير (العشاء بكسر العين)

بالأمس كانت ليلتنا الأخيره بمكّه. شعرت بعد تسليم حقائبى أنّى قد قطعت نصف الطريق إلى مصر. فى الطريق من المسجد إلى الفندق سائق سيارة أجره ينادى على منطقه اسمها "العزيزيه" فأرد قائله : شكرا فيضيف : طيب مصر؟ أبتسم و أنا أقول : يا ريت. فى هذه الليله وما سبقها تستطيع أن ترى الحجّاج وهو يعودون لسابق عهدهم بالحياه -هذا إن كانوا قد انسلخوا عنها من الأصل- فيبدأ النقاش حول قيمة الوزن الذى سيدفعوه و خططهم للاعتراض مسبقا على أى قيمه ستطلب منهم ناهيك عن بحث بعضهم عن "واسطه" تعفيه من دفع أى رسوم ولا تسل عن علاقة كل هذا بما أدّوه من مناسك !!
سمعت اليوم أن أحد أفراد العائله المالكه قد حضر صلاة المغرب ومن ثمّ تمّ إخلاء دائره متّسعه حول الكعبه من الطائفين كى يتمكّن هو من أداء الصلاه !! لم يدهشنى الموقف قدر ما أدهشنى التماس العذر له بالقول أن الله خلقنا فوق بعض درجات !! إذ ما دخل الله و مشيئته بهذه الطبقيه الإنسانيه التى يمارسها البشر تجاه بعضهم البعض !! هذا بيت الله وليس بيت الأمير كى يفسح لنفسه ما شاء من مكان ليصلّى وإلاّ سيصير مقبولا فى وقت لاحق أن يخلى المكان بالكامل له و لضيوفه !! آل درجات آل.

طواف الوداع

بعد صلاة الفجر بالشارع توجّهنا لأداء طواف الوداع. كان هو الطواف الأصعب حيث لا أدرى اسباب استهبال بعض الطائفين إذ تجد من يستند عليك فجأه بكل عشم دون سابق معرفه !! وجدتنى خلال هذا الطواف أتساءل عمّا يضيفه الطواف من سيئات أو يخصمه من رصيد الحسنات الخاصه بالطائفين و تكوّنت لدىّ قناعه أن النتيجه سلبيه بكل تأكيد؛ إذ كيف يمكن أن يكون الاحتكاك الجسدى بين هذا الكم من النساء و الرجال ذو أى صله بالروحانيّات !! هذا الطواف كان الأكثر بالنسبة لى فى الجدال و العراك ممّا زاد كثيرا فى شعورى بأثره السلبى على الحجّه ككل. كنت فيما مضى أفكّر فى هذا الطواف بوصفه الغلاف النهائى لهديه تعبت فى انتقائها و شرائها. اليوم أشعر أن الهديّه نفسها شابها كثير من التلف ولم تخرج فى الثوب اللائق الذى كنت أرجوه وها هو تغليفها النهائى سيكمل السيره. اليوم و أمس كنت أفكّر أن الحج هو الركن الوحيد من العبادات الذى لا يمكن أداؤه بمعزل عن الناس؛ إذ أنت مجبر على أن تكون بين ألوف من البشر خلال تأدية المناسك. كنت أنظر إلى المتدافعين و المتلامسين و المستهبلين من البشر حولى و أتساءل عن جدوى كل هذا بالنسبة لهم وهل سيغير الحج شيئا من أدائنا الحياتى بعد العوده لأوطاننا ولم يبق من الرحله سوى اللقب !! كانت إجابتى على سؤالى متشائمه خاصة مع ما سمعته خلال الإفطار عن حادث ضرب أحد الرجال لامرأه قرب الحجر الأسود !! حاولت تخيّل الرجل وقد فرغ من الضرب ثم اتّجهت يمينه التى ضربت المرأه لمصافحة يمين الله فى الأرض "الحجر الأسود" فشعرت بعبثيه شديده و إحباط أشد.

No comments: